لتحميل الكتاب:
https://www.narjeslibrary.com/gdyd-alktb/c/0/i/41510095/khlfyat-oakaa-krblaaa
صفحات من كتاب: خلفيات واقعة كربلاء،
دراسة تحليلية تاريخية تستهدف التنقيب عن جذور واقعة كربلاءوالظروف التي أدت إلى وصول يزيد إلى السلطة
المؤلف الشيخ مرتضى فرج
صفحات من الباب الأول: الأسباب البعيدة لشهادة الإمام الحسين: ما بعد معركة بدر حتى غدير خُم.
تحدثنا في الفصل السابق عن معركة بدر، وقلنا بأنَّ هذه المعركة كانت حاسمة في تاريخ المسلمين، وأنها ولَّدت عُقدة داخل نفوس القرشيين عموماً، وداخل نفوس بني أمية خصوصاً، تجاه رسول الله وتجاه علي وتجاه حمزة. وأن قريشاً كانت تتحين الفرصة لتأخذ بثارها وتمسح العار الذي لحق بها ، جراء مقتل أكثر من سبعين من ساداتها، وأسر سبعين آخرين، في مقابل ١٤ شهيداً من المسلمين .
تهييج الناس على الإمام علي:
معركة بدر التي أبلى فيها الإمام علي بلاء حسناً، وفعل مع عمه حمزة بقريش الأفاعيل، كان يُفترض أن تبقى نقطة قوة له في سجله، ونقطة بيضاء ناصعة ومضيئة في سيرته، لكن بعضهم كان يحاول أن يُحسّن صورته الاجتماعية على حساب الإمام علي.
كان يحاول أن يتقرب بعد فتح مكة إلى قريش على أساس أنه لم يفعل بهم ما فعل الإمام علي الله بهم ، ولم يتورط في سفك دمائهم كما فعل الإمام علي ، مستفيداً لتعزيز موقعه الاجتماعي من الحقد والغل المختزن في قلوب قريش تجاه الإمام علي عليه السلام.
ينقل الشيخ المفيد والواقدي وابن هشام بألفاظ قريبة ، واللفظ للأول، أن عثمان بن عفان مر بسعيد بن العاص فقال : انطلق بنا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نتحدث عنده، فانطلقا ، قال : فأما عثمان فصار إلى مجلسه الذي يشتهيه، وأما أنا فملتُ في ناحية القوم . فنظر إليَّ عمر وقال : ما لي أراك كأنَّ في نفسك علي شيئاً ؟ أتظن أني قتلت أباك؟ والله لوددت أني كنتُ قاتله، ولو قتلته لم أعتذر من قتل كافر، لكنني مررت به يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنِهِ ، وإذا شدقاه ( الشدق جانب الفم مما تحت الخد) قد أزبدا كالوَزَغ، فلما رأيتُ ذلك هِبتُهُ ورُغتُ عنه، فقال: إلى أين يا ابن الخطاب؟ وصمد له علي فتناوله ، فوالله ما رمت مكاني حتى قتله .
قال : وكان علي حاضراً في المجلس، فقال : اللهم غَفْراً، ذهب الشرك بما فيه، ومحا الإسلام ما تقدم، فما لك تُهيج الناس؟
فكَفَّ عُمر، قال سعيد : أما إنَّهُ ما كانَ يسُرُّني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب.
وفي رواية يرويها الصدوق عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن ، قال : سألته عن أمير المؤمنين ، كيف مال الناس عنه إلى غيره، وقد عرفوا فضلَهُ وسابقته ومكانه من رسول الله ؟ فقال له : «إنما مالوا عنه إلى غيره وقد عرفوا فضلَهُ - لأنه قد كان قتل من آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحادِّين لله ولرسوله عدداً كثيراً، وكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم، فلم يُحِبُّوا أن يتولى عليهم، ولم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك، لأنَّه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ما كان له ، فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه».
نتيجة معركة أحد وإن شفت نسبياً الحقد والغضب المختزن في قلوب القرشيين، إلا أنها فتحت جروحاً جديدة، ورسخت أحقاداً تركزت هذه المرة على الإمام علي. أولاً : لكونه أبلى بلاء حسناً ولم يفرّ من أرض المعركة قط، وظل يواصل القتال حتى اللحظة الأخيرة. وثانياً : لأنَّ النصيب الأكبر من قتلى كفار قريش في أحد كان على يد الإمام علي أيضاً، فإن كان عدد من قتل من قريش في أحد 22 قتيلاً كما ينقل ابن هشام في سيرته - وقتلى الإمام علي وحده 6، فهذا يعني أنَّ عليا قتل وحده ما نسبته 27% من مجموع قتلى قريش، وهي نسبة وإن لم تصل إلى نسبة قتلى بدر، لكنها نسبة عالية على أي حال. وثالثاً : لأن قتلى الإمام علي عل يعتبرون من أبطال قريش، ويكفي أن نعرف أن من بين قتلاه في أحد طلحة بن أبي طلحة، صاحب لواء المشركين، وكبش الكتيبة الذي رآه رسول الله في رؤيا قبيل المعركة.
2 - هذا الحقد المتراكم في قلوب القرشيين تجاه الإمام علي، ابتداء من مبيته على فراش رسول الله ليلة الهجرة والتسبب - في نظرهم – في نجاة رسول الله ، مروراً بالصاعقة التي وقعت على رؤوسهم في معركة بدر، وانتهاء الآن بمجريات معركة أحد . . . كله سيلقي بظلاله على واقعة كربلاء، وكأن قريش كانت تنتظر لحظة تاريخية لكي تُصفّي حسابها - وبشكل نهائي - مع الإمام علي عليه السلام، فكانت واقعة كربلاء .
بعد معركة أحد، بدأت قريش بالتشفي شعراً من المسلمين، فكان منها تلك الأبيات التي أنشدها عبد الله بن الزُّبَعْرى بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم، والتي جاء فيها : ليت أشياخي ببدر شـهـدوا جزع الخزرج من وقع الأسل.
وسنرى بعد كربلاء، أن يزيد تمثل الأبيات نفسها، ثم زاد عليها : لأهلّْوا واستَّهَلّْوا فرحاً ثم قالوا: يا يزيد لا تُشَل، وهذا شاهد إضافي على أنَّ فاجعة كربلاء هي امتداد لمعركتي بدر وأحد.
ابتدعَت قريش قُبَيل وبعيد معركة أحد سُنَّة جديدة لم تكن مألوفة، وهي التفكير الجاد في نبش القبور والتعرُّض للحرم، والتمثيل الفعلي بأجساد القتلى. وكان لهند بنت عتبة أم معاوية وجدة يزيد النصيب الأكبر في هذه السنة القبيحة، التي سوف تتكرر من جديد في كربلاء .
يذكر الواقدي في مغازيه : وكانت قريش لما مرت بالأبواء (في طريقها إلى أحد) قالت : إنكم خرجتم بالظعن معكم، ونحن نخاف على نسائنا، فتعالوا ننبش قبر أمّ محمد، فإنَّ النِّساء عورة . . . واستشار أبو سفيان أهل الرأي من قريش فقالوا : لا تذكر من هذا شيئاً ، فلو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة موتانا.
ويذكر ابن هشام في سيرته : ووقعت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها، يُمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله ، يجدعن الآذان والأنف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنفهم خدماً وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشياً، وبقرت كبد حمزة، فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها.
اشْتَرِكْ في القناة ليصلك جديدنا.
https://www.narjeslibrary.com/gdyd-alktb/c/0/i/41510095/khlfyat-oakaa-krblaaa
صفحات من كتاب: خلفيات واقعة كربلاء،
دراسة تحليلية تاريخية تستهدف التنقيب عن جذور واقعة كربلاءوالظروف التي أدت إلى وصول يزيد إلى السلطة
المؤلف الشيخ مرتضى فرج
صفحات من الباب الأول: الأسباب البعيدة لشهادة الإمام الحسين: ما بعد معركة بدر حتى غدير خُم.
تحدثنا في الفصل السابق عن معركة بدر، وقلنا بأنَّ هذه المعركة كانت حاسمة في تاريخ المسلمين، وأنها ولَّدت عُقدة داخل نفوس القرشيين عموماً، وداخل نفوس بني أمية خصوصاً، تجاه رسول الله وتجاه علي وتجاه حمزة. وأن قريشاً كانت تتحين الفرصة لتأخذ بثارها وتمسح العار الذي لحق بها ، جراء مقتل أكثر من سبعين من ساداتها، وأسر سبعين آخرين، في مقابل ١٤ شهيداً من المسلمين .
تهييج الناس على الإمام علي:
معركة بدر التي أبلى فيها الإمام علي بلاء حسناً، وفعل مع عمه حمزة بقريش الأفاعيل، كان يُفترض أن تبقى نقطة قوة له في سجله، ونقطة بيضاء ناصعة ومضيئة في سيرته، لكن بعضهم كان يحاول أن يُحسّن صورته الاجتماعية على حساب الإمام علي.
كان يحاول أن يتقرب بعد فتح مكة إلى قريش على أساس أنه لم يفعل بهم ما فعل الإمام علي الله بهم ، ولم يتورط في سفك دمائهم كما فعل الإمام علي ، مستفيداً لتعزيز موقعه الاجتماعي من الحقد والغل المختزن في قلوب قريش تجاه الإمام علي عليه السلام.
ينقل الشيخ المفيد والواقدي وابن هشام بألفاظ قريبة ، واللفظ للأول، أن عثمان بن عفان مر بسعيد بن العاص فقال : انطلق بنا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نتحدث عنده، فانطلقا ، قال : فأما عثمان فصار إلى مجلسه الذي يشتهيه، وأما أنا فملتُ في ناحية القوم . فنظر إليَّ عمر وقال : ما لي أراك كأنَّ في نفسك علي شيئاً ؟ أتظن أني قتلت أباك؟ والله لوددت أني كنتُ قاتله، ولو قتلته لم أعتذر من قتل كافر، لكنني مررت به يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنِهِ ، وإذا شدقاه ( الشدق جانب الفم مما تحت الخد) قد أزبدا كالوَزَغ، فلما رأيتُ ذلك هِبتُهُ ورُغتُ عنه، فقال: إلى أين يا ابن الخطاب؟ وصمد له علي فتناوله ، فوالله ما رمت مكاني حتى قتله .
قال : وكان علي حاضراً في المجلس، فقال : اللهم غَفْراً، ذهب الشرك بما فيه، ومحا الإسلام ما تقدم، فما لك تُهيج الناس؟
فكَفَّ عُمر، قال سعيد : أما إنَّهُ ما كانَ يسُرُّني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب.
وفي رواية يرويها الصدوق عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن ، قال : سألته عن أمير المؤمنين ، كيف مال الناس عنه إلى غيره، وقد عرفوا فضلَهُ وسابقته ومكانه من رسول الله ؟ فقال له : «إنما مالوا عنه إلى غيره وقد عرفوا فضلَهُ - لأنه قد كان قتل من آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحادِّين لله ولرسوله عدداً كثيراً، وكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم، فلم يُحِبُّوا أن يتولى عليهم، ولم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك، لأنَّه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ما كان له ، فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه».
نتيجة معركة أحد وإن شفت نسبياً الحقد والغضب المختزن في قلوب القرشيين، إلا أنها فتحت جروحاً جديدة، ورسخت أحقاداً تركزت هذه المرة على الإمام علي. أولاً : لكونه أبلى بلاء حسناً ولم يفرّ من أرض المعركة قط، وظل يواصل القتال حتى اللحظة الأخيرة. وثانياً : لأنَّ النصيب الأكبر من قتلى كفار قريش في أحد كان على يد الإمام علي أيضاً، فإن كان عدد من قتل من قريش في أحد 22 قتيلاً كما ينقل ابن هشام في سيرته - وقتلى الإمام علي وحده 6، فهذا يعني أنَّ عليا قتل وحده ما نسبته 27% من مجموع قتلى قريش، وهي نسبة وإن لم تصل إلى نسبة قتلى بدر، لكنها نسبة عالية على أي حال. وثالثاً : لأن قتلى الإمام علي عل يعتبرون من أبطال قريش، ويكفي أن نعرف أن من بين قتلاه في أحد طلحة بن أبي طلحة، صاحب لواء المشركين، وكبش الكتيبة الذي رآه رسول الله في رؤيا قبيل المعركة.
2 - هذا الحقد المتراكم في قلوب القرشيين تجاه الإمام علي، ابتداء من مبيته على فراش رسول الله ليلة الهجرة والتسبب - في نظرهم – في نجاة رسول الله ، مروراً بالصاعقة التي وقعت على رؤوسهم في معركة بدر، وانتهاء الآن بمجريات معركة أحد . . . كله سيلقي بظلاله على واقعة كربلاء، وكأن قريش كانت تنتظر لحظة تاريخية لكي تُصفّي حسابها - وبشكل نهائي - مع الإمام علي عليه السلام، فكانت واقعة كربلاء .
بعد معركة أحد، بدأت قريش بالتشفي شعراً من المسلمين، فكان منها تلك الأبيات التي أنشدها عبد الله بن الزُّبَعْرى بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم، والتي جاء فيها : ليت أشياخي ببدر شـهـدوا جزع الخزرج من وقع الأسل.
وسنرى بعد كربلاء، أن يزيد تمثل الأبيات نفسها، ثم زاد عليها : لأهلّْوا واستَّهَلّْوا فرحاً ثم قالوا: يا يزيد لا تُشَل، وهذا شاهد إضافي على أنَّ فاجعة كربلاء هي امتداد لمعركتي بدر وأحد.
ابتدعَت قريش قُبَيل وبعيد معركة أحد سُنَّة جديدة لم تكن مألوفة، وهي التفكير الجاد في نبش القبور والتعرُّض للحرم، والتمثيل الفعلي بأجساد القتلى. وكان لهند بنت عتبة أم معاوية وجدة يزيد النصيب الأكبر في هذه السنة القبيحة، التي سوف تتكرر من جديد في كربلاء .
يذكر الواقدي في مغازيه : وكانت قريش لما مرت بالأبواء (في طريقها إلى أحد) قالت : إنكم خرجتم بالظعن معكم، ونحن نخاف على نسائنا، فتعالوا ننبش قبر أمّ محمد، فإنَّ النِّساء عورة . . . واستشار أبو سفيان أهل الرأي من قريش فقالوا : لا تذكر من هذا شيئاً ، فلو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة موتانا.
ويذكر ابن هشام في سيرته : ووقعت هند بنت عتبة والنسوة اللاتي معها، يُمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله ، يجدعن الآذان والأنف، حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنفهم خدماً وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشياً، وبقرت كبد حمزة، فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها، فلفظتها.
اشْتَرِكْ في القناة ليصلك جديدنا.