كتاب الرد على شبهات سيد كمال الحيدري "فتوى جواز التعبد بسائر الأديان والنحل"

أضيف بتاريخ 06/07/2024
|

كتاب: مشروع الحداثة الإسلامية المصداقية والنتائج
المؤلف: الدكتور السيد عباس العلوي
عدد الصفحات: 564
للتحميل:
https://www.narjeslibrary.com/gdyd-alktb/c/0/i/80235540/article-5844

صفحات من كتاب: مشروع الحداثة الإسلامية المصداقية والنتائج:



نقرأ من صفحة مئتين وتسعة إلى مئتين واثني عشر:

المطلب الرابع: تصحيح التعبد بكل دين حتى الوثنية:



لو تنزلنا مع صاحب الفتوى وافترضنا صحة التعبد بالأديان السماوية بالآية السابقة: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّبِئُونَ وَالنَّصَرَى مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ). ولكن ما هو الدليل على تصحيح التعبد بكل الملل والنحل، بحيث كل من يقطع بصحة معتقده ولو كان معتقده الإلحاد بوجود الله والكفر بالآخرة وعبادة الأوثان والبقر، فهو من الناجين، بل من المثابين بالجنة؟ أهم أدلة صاحب الفتوى آيتان من القرآن، سيتم تناولهما في فرعين:



الفرع الأول: معيار التقوى:



من أهم أدلة صاحب الفتوى التي يمكن تصحيح عبادات الوثنيين وغيرهم ممن لا يؤمنون بالله ووجوده آيتان في القرآن:



الآية الأولى: قوله تعالى: يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))، فالمناط هو التقوى من أي أحد كما في دعوى صاحب الفتوى، فمن تحققت منه التقوى مهما كان اعتقاده فسوف يتقبل الله منه ويدخل الجنة.



ولكن هذه الآية لا يمكن أن تثبت المدّعى؛ وذلك لأسباب كثيرة، أهمها:



أولا: إن هذه الآية تتعارض مع قوله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )، ولا يمكن الجمع بينهما، فكل من يتعبد بغير الإسلام لا يقبل منه.



ثانيا: أوضح القرآن وعرّف من هم المتقون بصفاتهم في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ )



أُوْلَائِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )).



وكذلك أوضح من هم المتقون هنا بصفاتهم في قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّابِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ )).



فالتقوى إنما هي تقوى الله، وذلك بتطبيق أحكامه، ولكن بعد الإيمان به وبعدد من القضايا العقدية. والملحد لا يعتقد بوجود ربّ له يطيعه، فلا تتحقق منه التقوى؛ إذ إن تقوى الله تعني وقاية النفس من عقابه وغضبه، فلا تتحصل التقوى من غير المؤمن بالله واليوم الآخر.

وهي تأتي في مرتبة بعد الإيمان، والآيات كثيرة في هذا الإطار مثل قوله: يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاةٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) . والآيات صريحة في أنّ الله يتقبل ويثيب على التقوى؛ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) .



ثالثًا: ربما يُظنّ أنّ التقوى هي العمل الصالح، فلو عمل الملحد والوثني عملا صالحًا فهو من المتقين ويدخل الجنة، ولكن العمل الصالح وحده لا يقال عنه تقوى، فلا يتقبله الله ويثيب عليه في الآخرة من دون إيمان، فكيف يدخل الجنّة من له عمل صالح وهو ملحد ؟



وقد أكد القرآن تكرار أنّ الله لا يقبل العمل الصالح ولا يجزي عليه في الآخرة ما لم يكن دافعه الإيمان. ولهذا كرّر في العديد من الآيات جملة الحال وَهُوَ مُؤْمِنٌ كما في هذه الآية؛ فقال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةَ طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ )) ، وقال : وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَائِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا، وقال سبحانه وتعالى: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ) ، وقال عزّ وجلّ : فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ)، وقال جل جلاله: وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأَوْلَائِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ )).



فالقرآن يقول: إن الله لا يتقبل العمل الصالح إلا ما كان دافعه الإيمان؛ فقوله: ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، يعني: عارفًا بالله تعالى مصدقًا بأنبيائه، فحتى لو عمل الكافر عملا صالحًا فلا يتقبل منه الله، فكيف يجزيه الجنّة؟ قال الشيخ الطوسي: «إنّما يستحق الثواب على الطاعات من يوقعها لكونها طاعةً. فأما إذا فعلها لغير ذلك فإنّه لا يستحق عليها ثوابًا» . وقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، يوضح أن التقوى تتحقق بأمرين: بالإيمان وبالعمل الصالح، وذلك بتطبيق شرع الله، وهذا لا يمكن تصوره من الملحد وآكل لحوم البشر والَّلوّاط والقاتل الذي يزهق الأنفس تقربا إلى الوثن.






اشترك في القناة ليصلك جديدنا.