كتاب: العقل التكفيري
المؤلف: الشيخ حسين الخشن
عدد الصفحات: 410
للتحميل:
https://www.narjeslibrary.com/gdyd-alktb/c/0/i/43461061/article-3764
نقرأ من صفحة رقم عشرة إلى صفحة رقم خمسةَ عشرة.
أول حالة تكفيرية:
لا أريد أن أقدم صورة وردية عن تاريخنا الإسلامي، لأني مدرك وواع جيداً أن ثقافة جز الرقاب وقطع الأعناق ليست وليدة هذا العصر، بل إنها تمتد إلى العصر الإسلامي الأول، وتحديداً إلى ما بعد معركة صفين ونشوء فرقة الخوارج التي يمكن اعتبارها أول حركة تكفيرية ودموية عرفها التاريخ الإسلامي، فقد حكم الخوارج بكفر أو شرك مرتكب الكبيرة من المسلمين، ووصلت بهم الجرأة إلى تكفير الإمام علي بن أبي طالب ، لأنه رفض التوبة عن قبول التحكيم، مما اعتبروه معصية كبيرة، مع أنهم هم الذين دفعوه إلى قبول التحكيم.
وقد كتبوا إليه رسالة في هذا الصدد جاء فيها:
أما بعد فإنك لم تغضب لربّك، إنّما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلا فقد نابذناك على سواء إن الله لا يحبّ الخائنين !.
مشاهد من عنف الخوارج:
وعقيدتهم التكفيرية هذه جعلتهم يستبيحون الخوض في دماء المسلمين دون أدنى تورّع أو تحفظ ، وقد نقل لنا التاريخ صوراً مؤلمة ومشاهد مروعة في هذا الشأن، ولطالما كنا نصاب بالصدمة والذهول ونحن نقرأ عن تلك الأعمال الشنيعة التي ارتكبها الخوارج حتى دار الزمان ورأينا بأم العين ما هو أفظع منها !، ومن تلك المشاهد المروعة التي نقلها لنا المؤرخون أن خوارج البصرة التقوا أثناء مسيرهم إلى النهروان برجل يسوق بامرأة على حمار، فعبروا إليه فدعوه فتهددوه وأفزعوه، وقالوا له : من أنت؟ قال : أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ، ثم أهوى إلى ثوبه يتناوله من الأرض، وكان سقط عنه لما أفزعوه. قالوا له: أفزعناك. قال: نعم. قالوا له : لا روع عليك، فحدثنا عن أبيك بحديث سمعه من النبي ﷺ لعل الله ينفعنا به .
قال: حدثني أبي عن رسول الله أن فتنة تكون يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه يمسي فيها مؤمناً ويصبح فيها كافراً ويمسي فيها مؤمناً».
فقالوا: لهذا الحديث سألناك، فما تقول في أبي بكر وعمر، فأثنى عليهما خيراً.
قالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها؟
قال: إنه كان محقاً في أولها وفي آخرها.
قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟
قال: إنّه أعلم بالله منكم وأشدّ توقياً على دينه وأنفذ بصيرة.
فقالوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال على أسمائها، لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً!
فأخذوه فكتفوه، ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى متم في نهاية حملها حتى نزلوا تحت نخل مواقر (كثير الحمل) فسقطت منه رطبة، فأخذها أحدهم فقذف بها في فمه.
فقال أحدهم: بغير حلّها وبغير ثمن ! فلفظها وألقاها من فمه، ثم أخذ (أحدهم) سیفه فمر به خنزير لأهل الذمة فضربه بسيفه.
فقالوا: هذا فساد في الأرض، فأتى صاحب الخنزير فأرضاه من خنزير ! فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى، فما علي منكم بأس، إني لمسلم، ما أحدثت في الإسلام حدثاً ولقد آمنتموني قلتم : لا روع عليك.
فجاؤوا به فأضجعوه، فذبحوه وسال دمه في الماء! وأقبلوا على المرأة، فقالت: إني إنما أنا امرأة ألا تتقون الله فبقروا بطنها !! وقتلوا ثلاث نسوة من طيء وقتلوا أم سنان الصيداوية.
وينقل عن بعضهم أنهم أصابوا في طريقهم مسلماً ونصرانياً، فقتلوا المسلم، لأنه عندهم كافر، إذ كان على خلاف معتقدهم واستوصوا بالنصراني، وقالوا: احفظوا ذمة نبيكم.
إن هذه التصرفات التي ارتكبها هؤلاء مما حدثتنا عنها المصادر التاريخية تعكس وبوضوح بعض خصائص الشخصية التكفيرية وأهم سماتها، فهي شخصية تستهين بالكبائر، كسفك الدم وقتل الأبرياء، وتستعظم الصغائر، كأكل حبة من التمر دون إذن من صاحبها، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على افتقاد الإنسان التكفيري إلى الميزان الصحيح الذي يزن به الأمور.
علي الله يحاورهم:
وفي المقابل، فإنّ الإمام عليا وقف ليحاورهم ويجادلهم بالتي هي أحسن، ويفنّد شُبهاتهم وأوهامهم بالحجة والمنطق، دون أن يقمعهم أو يمنعهم حقوقهم السياسية والمدنية إلا بعد أن تحوّلوا إلى قطاع طرق سلابين، وأخلوا بالأمن العام، فنهض حينها ليضع حداً لبغيهم وإرهابهم، حماية للأمن الاجتماعي، وحفظاً للنظام العام، ولولا اندفاعهم إلى ممارسة العنف والإخلال بالأمن العام لاستمروا وبقوا حركة معارضة، لهم ما لسائر المسلمين، وقد أوضح الإمام علي ذلك بشكل واضح لا لبس فيه، عندما أرسل إليهم في بادئ الأمر قائلاً: «كونوا حيث شئتم وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دماً حراماً ولا تقطعوا سبيلاً ولا تظلموا أحداً.
لقد عمل علي على محاصرة الأزمة ومنع تفاقمها ولو على حسابه الخاص، فلم ير أن تكفيرهم له يمنعهم حقوقهم أو يبيح قتالهم أو يستوجب هدر دمائهم، ولذا خاطبهم قائلاً: «فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت فلم تضللون عامة أمة محمد بضلالي وتأخذونهم بخطأي وتكفرونهم بذنبي! سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البرء والسقم، وتخلطون من أذنب بِمَن لم يذنب.
لقراءة الكتاب الرابط في الوصف.
اضغط زر الإعجاب واشترك في القناة ليصلك جديدنا.
المؤلف: الشيخ حسين الخشن
عدد الصفحات: 410
للتحميل:
https://www.narjeslibrary.com/gdyd-alktb/c/0/i/43461061/article-3764
نقرأ من صفحة رقم عشرة إلى صفحة رقم خمسةَ عشرة.
أول حالة تكفيرية:
لا أريد أن أقدم صورة وردية عن تاريخنا الإسلامي، لأني مدرك وواع جيداً أن ثقافة جز الرقاب وقطع الأعناق ليست وليدة هذا العصر، بل إنها تمتد إلى العصر الإسلامي الأول، وتحديداً إلى ما بعد معركة صفين ونشوء فرقة الخوارج التي يمكن اعتبارها أول حركة تكفيرية ودموية عرفها التاريخ الإسلامي، فقد حكم الخوارج بكفر أو شرك مرتكب الكبيرة من المسلمين، ووصلت بهم الجرأة إلى تكفير الإمام علي بن أبي طالب ، لأنه رفض التوبة عن قبول التحكيم، مما اعتبروه معصية كبيرة، مع أنهم هم الذين دفعوه إلى قبول التحكيم.
وقد كتبوا إليه رسالة في هذا الصدد جاء فيها:
أما بعد فإنك لم تغضب لربّك، إنّما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلا فقد نابذناك على سواء إن الله لا يحبّ الخائنين !.
مشاهد من عنف الخوارج:
وعقيدتهم التكفيرية هذه جعلتهم يستبيحون الخوض في دماء المسلمين دون أدنى تورّع أو تحفظ ، وقد نقل لنا التاريخ صوراً مؤلمة ومشاهد مروعة في هذا الشأن، ولطالما كنا نصاب بالصدمة والذهول ونحن نقرأ عن تلك الأعمال الشنيعة التي ارتكبها الخوارج حتى دار الزمان ورأينا بأم العين ما هو أفظع منها !، ومن تلك المشاهد المروعة التي نقلها لنا المؤرخون أن خوارج البصرة التقوا أثناء مسيرهم إلى النهروان برجل يسوق بامرأة على حمار، فعبروا إليه فدعوه فتهددوه وأفزعوه، وقالوا له : من أنت؟ قال : أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ، ثم أهوى إلى ثوبه يتناوله من الأرض، وكان سقط عنه لما أفزعوه. قالوا له: أفزعناك. قال: نعم. قالوا له : لا روع عليك، فحدثنا عن أبيك بحديث سمعه من النبي ﷺ لعل الله ينفعنا به .
قال: حدثني أبي عن رسول الله أن فتنة تكون يموت فيها قلب الرجل كما يموت فيها بدنه يمسي فيها مؤمناً ويصبح فيها كافراً ويمسي فيها مؤمناً».
فقالوا: لهذا الحديث سألناك، فما تقول في أبي بكر وعمر، فأثنى عليهما خيراً.
قالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها؟
قال: إنه كان محقاً في أولها وفي آخرها.
قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟
قال: إنّه أعلم بالله منكم وأشدّ توقياً على دينه وأنفذ بصيرة.
فقالوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرجال على أسمائها، لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً!
فأخذوه فكتفوه، ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى متم في نهاية حملها حتى نزلوا تحت نخل مواقر (كثير الحمل) فسقطت منه رطبة، فأخذها أحدهم فقذف بها في فمه.
فقال أحدهم: بغير حلّها وبغير ثمن ! فلفظها وألقاها من فمه، ثم أخذ (أحدهم) سیفه فمر به خنزير لأهل الذمة فضربه بسيفه.
فقالوا: هذا فساد في الأرض، فأتى صاحب الخنزير فأرضاه من خنزير ! فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى، فما علي منكم بأس، إني لمسلم، ما أحدثت في الإسلام حدثاً ولقد آمنتموني قلتم : لا روع عليك.
فجاؤوا به فأضجعوه، فذبحوه وسال دمه في الماء! وأقبلوا على المرأة، فقالت: إني إنما أنا امرأة ألا تتقون الله فبقروا بطنها !! وقتلوا ثلاث نسوة من طيء وقتلوا أم سنان الصيداوية.
وينقل عن بعضهم أنهم أصابوا في طريقهم مسلماً ونصرانياً، فقتلوا المسلم، لأنه عندهم كافر، إذ كان على خلاف معتقدهم واستوصوا بالنصراني، وقالوا: احفظوا ذمة نبيكم.
إن هذه التصرفات التي ارتكبها هؤلاء مما حدثتنا عنها المصادر التاريخية تعكس وبوضوح بعض خصائص الشخصية التكفيرية وأهم سماتها، فهي شخصية تستهين بالكبائر، كسفك الدم وقتل الأبرياء، وتستعظم الصغائر، كأكل حبة من التمر دون إذن من صاحبها، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على افتقاد الإنسان التكفيري إلى الميزان الصحيح الذي يزن به الأمور.
علي الله يحاورهم:
وفي المقابل، فإنّ الإمام عليا وقف ليحاورهم ويجادلهم بالتي هي أحسن، ويفنّد شُبهاتهم وأوهامهم بالحجة والمنطق، دون أن يقمعهم أو يمنعهم حقوقهم السياسية والمدنية إلا بعد أن تحوّلوا إلى قطاع طرق سلابين، وأخلوا بالأمن العام، فنهض حينها ليضع حداً لبغيهم وإرهابهم، حماية للأمن الاجتماعي، وحفظاً للنظام العام، ولولا اندفاعهم إلى ممارسة العنف والإخلال بالأمن العام لاستمروا وبقوا حركة معارضة، لهم ما لسائر المسلمين، وقد أوضح الإمام علي ذلك بشكل واضح لا لبس فيه، عندما أرسل إليهم في بادئ الأمر قائلاً: «كونوا حيث شئتم وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دماً حراماً ولا تقطعوا سبيلاً ولا تظلموا أحداً.
لقد عمل علي على محاصرة الأزمة ومنع تفاقمها ولو على حسابه الخاص، فلم ير أن تكفيرهم له يمنعهم حقوقهم أو يبيح قتالهم أو يستوجب هدر دمائهم، ولذا خاطبهم قائلاً: «فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت فلم تضللون عامة أمة محمد بضلالي وتأخذونهم بخطأي وتكفرونهم بذنبي! سيوفكم على عواتقكم تضعونها مواضع البرء والسقم، وتخلطون من أذنب بِمَن لم يذنب.
لقراءة الكتاب الرابط في الوصف.
اضغط زر الإعجاب واشترك في القناة ليصلك جديدنا.