لتحميل الكتاب:
https://www.narjeslibrary.com/gdyd-alktb/i/40374033/fagaa-altf-abaaadha-thmratha-tokytha
كتاب: فاجعة الطّف، أبعادها، ثمراتها، توقيتها، بحث تحليلي في أبعاد وثمرات نهضة الحسين عليه السلام.
المؤلف: السيد المَرجِع محمد سعيد الحكيم قُدِّسَ سِرُّه.
اشترك في القناة ليصلُك جديدُنا
نقرأ من صفحة ثلاثة وخمسين إلى صفحة ثمانية وخمسين
في أبعاد فاجعة الطّفِّ وعمقها
من المعلوم من مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم أنّ الخلافة والإمامة، حق لهم مجعول من قبل الله تعالى، وأنه لا شرعية لخلافة كل من تَقَمَّصَهَا من غيرهم. وعلى ذلك ابتنت نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، كما يأتي عند الكلام فيما كسبه التَّشَيُّع من هذه النهضة المباركة ـ إن شاء الله تعالى.
استنكار جمهور المسلمين لعهد معاوية ليزيد:
أما الجمهور فخلافتهم وإن ابتنت على عدم الانضباط بنظام محدد، بل جَرَوا أخيراً على شرعية الإمامة المبنية على النص بولاية العهد من السابق للاحق، بلحاظ قربه النسبي منه ، بغض النظر عن مؤهلاته الشخصية، إلا أنهم استنكروا عهد معاوية لابنه يزيد بالخلافة في وقته. أولاً : لأنه أول من فتح هذا الباب، وتجاهل سيرة من قبله من خلفائهم، خصوصاً الشيخَين اللذَين لهما مكانة خاصة في نفوسهم.
ولاسيما أن من جملة دوافع قريش، لصرف الخلافة عن أهل البيت، (صلوات الله عليهم)، هو علمهم بأنها إذا صارت لهم، لم تخرج عنهم، حتى قال قائلهم: «وسّعوها في قُرَيش تَتَّسِع.
فإذا فُتِح الباب لولاية العهد بَقِيَت في آل معاوية، ولم تخرج عنهم لبطون قريش، وهو عين ما فروا منه. وثانياً : لابتنائها على الإرغام والقسر، والاستعانة على ذلك بالترغيب والترهيب، والخداع والمكر، كما يظهر بأدنى نظر في تاريخها.
وإذا غَضَّتْ قريشُ النظرَ عن ذلك في حق الأولين، لأنه يوافق مصلحتها في صرف الخلافة عن بني هاشم، فهي لا تقبله من معاوية بعد أن كان يضر بمصالحها.
كما أن عموم المسلمين إذا غضوا النظر عنه في حق الأولين، لجهلهم بما حصل في وقته من نزاع وصراع، أو لحبهم لهم، أو حسن ظنهم بهم ـ لما يأتي من دواعي ذلك في حقهم - فهم لا يرتضونه من معاوية، لعدم الموجب لذلك.
وثالثاً : لعدم مناسبة واقعِ يزيد وسلوكُه المشين للخلافة. خصوصاً مع وجود جماعة من أعيان الصحابة، وأولاد المهاجرين الأولين، لهم المقام الاجتماعي الرفيع، والمكانة العليا في النفوس . وعلى رأسهم الإمام الحسين (صلوات الله عليه) .
وقد أكد ذلك أن تجربة أبيه معاوية في الحكم - الذي تسلط بالقوة والقهر والخداع والمكر - كانت مُرّة على المسلمين، في الجانبين الديني والمادي، كما يظهر بأدنى نظر في سيرته، وكان المنتظر مِن يزيد أنْ يزيدَ على أبيه، في معاناة المسلمين في دينهم ودنياهم.
وإذا كان بعض متأخري الجمهور يحاول الدفاع عن بيعة يزيد، وإضفاء الشرعية عليها، بعد أن شاعت هذه الأمور في الخلفاء وأَلَفَهَا الناس، فهو يخالف ما عليه ذوو المقام والمكانة في المسلمين في الصدر الأول، بل حتى عامة الناس.
ولذا لم يثبت بوجه مُعْتَدٍّ به، أنَّ شخصاً منهم حاول ردع الإمام الحسين عن الخروج، ببيان شرعية خلافة يزيد. وكل من أشار عليه بترك الخروج فإنما أشار عليه لخوفه عليه من فشل مشروعه، ومِن غَشَمِ الأمويين، الذين لا يقفون عند حد في تحقيق مقاصدهم، والإيقاعِ بمن يقف في طريقهم.
غاية الأمر أنه قد يُنْسَب لبعض الناس، أنه أضاف إلى ذلك التذكير، بمحذور شق كلمة الأمة، وتفريق جماعتها، كما يأتي إنْ شاء الله تعالى. ولذا لا ريب عند خاصة المسلمين، وذوي المقام الرفيع، عند الجمهور ممن عاصر الحدث، في أن خروج الإمام الحسين (صلوات الله عليه) لم يكن جريمة منه يستحق عليها العقاب، فضلاً عن القتل وما استتبعه من الجرائم، بل كل ما وقع عليه، هو عدوان من الأمويين، وإجرام منهم.
كان الإمام الحسين مسالماً في دعوته للإصلاح:
ويزيد في الأمر، أن الإمام الحسين (صلوات الله عليه) حينما رفع مشروعه الإصلاحي، لم يرفعه بلسان الإلزام والتهديد، ولم يلجأ فيه لِلَّفِ والدوران، والمكر والخديعة من أجل الاستيلاء على السلطة، بل بلسان النصيحة والتذكير. فهو يقول في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية:
وإني لم أخرج أَشِرَاً ولا بَطِرَاً ولا مُفْسِدَاً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي، أريد أن آمُر بالمعروف وأنهى عن المنكر ... فمن قبِلني بقبول الحق فالله أَوْلَى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا، أَصْبِر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».
كما أنه لم يختر الكوفة من أجل أن يُخْرِجَ أهلَها من طاعة يزيدَ لطاعته، ويرغمهم على ذلك، بل لامتناعهم بأنفسهم من القبول ببيعة يزيد. فقد تضمنت كتبهم:
إنه ليس علينا إمام، فَأَقْبِل ، لعل الله أنْ يجمعنا بك على الحق. والنُّعمان ابن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جُمُعَة ، ولا نخرج معه إلى عيد.
و: أما بعد فَحَيَّ هَلَّا ، فإن الناس ينتظرونك، لا إمام لهم غيرُك. و: أما بعدُ فقد اخْضَرَّ الجَنَاب، وأينعت الثمار وطَمَّت الجِمام، فإذا شئت فأقدم علينا، فإنما تَقْدُمُ على جند لك مجندة. ونحو ذلك.
وقد جاء في كتابه (صلوات الله عليه ) الذي كتبه لهم مع مسلم بن عقيل :
وقد فهِمتُ كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالةَ جُلِّكُم: إنه ليس علينا إمام. فأقبِل، لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق. وإني باعثٌ إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، فإنْ كتب إلي أنه قد اجتمع رأي مَلَئِكُم وذوي الحُجا والفضل منكم على مثل ما قَدِمَت به رُسُلُكم، وقرأتُ في كتبِكم، أقدِمُ عليكم وشيكاً إن شاء الله.
https://www.narjeslibrary.com/gdyd-alktb/i/40374033/fagaa-altf-abaaadha-thmratha-tokytha
كتاب: فاجعة الطّف، أبعادها، ثمراتها، توقيتها، بحث تحليلي في أبعاد وثمرات نهضة الحسين عليه السلام.
المؤلف: السيد المَرجِع محمد سعيد الحكيم قُدِّسَ سِرُّه.
اشترك في القناة ليصلُك جديدُنا
نقرأ من صفحة ثلاثة وخمسين إلى صفحة ثمانية وخمسين
في أبعاد فاجعة الطّفِّ وعمقها
من المعلوم من مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم أنّ الخلافة والإمامة، حق لهم مجعول من قبل الله تعالى، وأنه لا شرعية لخلافة كل من تَقَمَّصَهَا من غيرهم. وعلى ذلك ابتنت نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، كما يأتي عند الكلام فيما كسبه التَّشَيُّع من هذه النهضة المباركة ـ إن شاء الله تعالى.
استنكار جمهور المسلمين لعهد معاوية ليزيد:
أما الجمهور فخلافتهم وإن ابتنت على عدم الانضباط بنظام محدد، بل جَرَوا أخيراً على شرعية الإمامة المبنية على النص بولاية العهد من السابق للاحق، بلحاظ قربه النسبي منه ، بغض النظر عن مؤهلاته الشخصية، إلا أنهم استنكروا عهد معاوية لابنه يزيد بالخلافة في وقته. أولاً : لأنه أول من فتح هذا الباب، وتجاهل سيرة من قبله من خلفائهم، خصوصاً الشيخَين اللذَين لهما مكانة خاصة في نفوسهم.
ولاسيما أن من جملة دوافع قريش، لصرف الخلافة عن أهل البيت، (صلوات الله عليهم)، هو علمهم بأنها إذا صارت لهم، لم تخرج عنهم، حتى قال قائلهم: «وسّعوها في قُرَيش تَتَّسِع.
فإذا فُتِح الباب لولاية العهد بَقِيَت في آل معاوية، ولم تخرج عنهم لبطون قريش، وهو عين ما فروا منه. وثانياً : لابتنائها على الإرغام والقسر، والاستعانة على ذلك بالترغيب والترهيب، والخداع والمكر، كما يظهر بأدنى نظر في تاريخها.
وإذا غَضَّتْ قريشُ النظرَ عن ذلك في حق الأولين، لأنه يوافق مصلحتها في صرف الخلافة عن بني هاشم، فهي لا تقبله من معاوية بعد أن كان يضر بمصالحها.
كما أن عموم المسلمين إذا غضوا النظر عنه في حق الأولين، لجهلهم بما حصل في وقته من نزاع وصراع، أو لحبهم لهم، أو حسن ظنهم بهم ـ لما يأتي من دواعي ذلك في حقهم - فهم لا يرتضونه من معاوية، لعدم الموجب لذلك.
وثالثاً : لعدم مناسبة واقعِ يزيد وسلوكُه المشين للخلافة. خصوصاً مع وجود جماعة من أعيان الصحابة، وأولاد المهاجرين الأولين، لهم المقام الاجتماعي الرفيع، والمكانة العليا في النفوس . وعلى رأسهم الإمام الحسين (صلوات الله عليه) .
وقد أكد ذلك أن تجربة أبيه معاوية في الحكم - الذي تسلط بالقوة والقهر والخداع والمكر - كانت مُرّة على المسلمين، في الجانبين الديني والمادي، كما يظهر بأدنى نظر في سيرته، وكان المنتظر مِن يزيد أنْ يزيدَ على أبيه، في معاناة المسلمين في دينهم ودنياهم.
وإذا كان بعض متأخري الجمهور يحاول الدفاع عن بيعة يزيد، وإضفاء الشرعية عليها، بعد أن شاعت هذه الأمور في الخلفاء وأَلَفَهَا الناس، فهو يخالف ما عليه ذوو المقام والمكانة في المسلمين في الصدر الأول، بل حتى عامة الناس.
ولذا لم يثبت بوجه مُعْتَدٍّ به، أنَّ شخصاً منهم حاول ردع الإمام الحسين عن الخروج، ببيان شرعية خلافة يزيد. وكل من أشار عليه بترك الخروج فإنما أشار عليه لخوفه عليه من فشل مشروعه، ومِن غَشَمِ الأمويين، الذين لا يقفون عند حد في تحقيق مقاصدهم، والإيقاعِ بمن يقف في طريقهم.
غاية الأمر أنه قد يُنْسَب لبعض الناس، أنه أضاف إلى ذلك التذكير، بمحذور شق كلمة الأمة، وتفريق جماعتها، كما يأتي إنْ شاء الله تعالى. ولذا لا ريب عند خاصة المسلمين، وذوي المقام الرفيع، عند الجمهور ممن عاصر الحدث، في أن خروج الإمام الحسين (صلوات الله عليه) لم يكن جريمة منه يستحق عليها العقاب، فضلاً عن القتل وما استتبعه من الجرائم، بل كل ما وقع عليه، هو عدوان من الأمويين، وإجرام منهم.
كان الإمام الحسين مسالماً في دعوته للإصلاح:
ويزيد في الأمر، أن الإمام الحسين (صلوات الله عليه) حينما رفع مشروعه الإصلاحي، لم يرفعه بلسان الإلزام والتهديد، ولم يلجأ فيه لِلَّفِ والدوران، والمكر والخديعة من أجل الاستيلاء على السلطة، بل بلسان النصيحة والتذكير. فهو يقول في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية:
وإني لم أخرج أَشِرَاً ولا بَطِرَاً ولا مُفْسِدَاً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدي، أريد أن آمُر بالمعروف وأنهى عن المنكر ... فمن قبِلني بقبول الحق فالله أَوْلَى بالحق، ومن ردّ عليّ هذا، أَصْبِر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين».
كما أنه لم يختر الكوفة من أجل أن يُخْرِجَ أهلَها من طاعة يزيدَ لطاعته، ويرغمهم على ذلك، بل لامتناعهم بأنفسهم من القبول ببيعة يزيد. فقد تضمنت كتبهم:
إنه ليس علينا إمام، فَأَقْبِل ، لعل الله أنْ يجمعنا بك على الحق. والنُّعمان ابن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جُمُعَة ، ولا نخرج معه إلى عيد.
و: أما بعد فَحَيَّ هَلَّا ، فإن الناس ينتظرونك، لا إمام لهم غيرُك. و: أما بعدُ فقد اخْضَرَّ الجَنَاب، وأينعت الثمار وطَمَّت الجِمام، فإذا شئت فأقدم علينا، فإنما تَقْدُمُ على جند لك مجندة. ونحو ذلك.
وقد جاء في كتابه (صلوات الله عليه ) الذي كتبه لهم مع مسلم بن عقيل :
وقد فهِمتُ كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالةَ جُلِّكُم: إنه ليس علينا إمام. فأقبِل، لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق. وإني باعثٌ إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، فإنْ كتب إلي أنه قد اجتمع رأي مَلَئِكُم وذوي الحُجا والفضل منكم على مثل ما قَدِمَت به رُسُلُكم، وقرأتُ في كتبِكم، أقدِمُ عليكم وشيكاً إن شاء الله.