كتاب: الإمامُ الحسن في مواجهة الإنشقاق الأموي
المؤلف: سماحة السيد سامي البَدري
اشترِكْ في القناة لدعم القائمين عليها.
لقراءة الكتاب حمله من مكتبة نرجس:
https://www.narjeslibrary.com/gdyd-alktb/i/81028034/article-5934
نقرأ من صفحة ثلاثة وثلاثين إلى صفحةِ ثمانية وثلاثين.
الرؤية الجديدة:
أما النتائج الجديدة، فتتعلق بوضع أهل الكوفة، في السنوات العشر من الصلح، حيث كانوا آمِنين، ولم يُرَوَّع شيعي واحد منهم بسبب ولائه لِعَلْيٍ بل الفرصة متاحة، لهم لينشروا ما وعوه وحملوه عن علِيٍ عليه السلام، من علم وسيرة مشرقة، بين أهل الشام ،
هذا في قبال الرؤية السائدة التي تقول أنّ معاويةَ أعلن عن نقضه لشروط الحَسَن منذ اليوم الأول الذي دخل فيه الكوفة وأنه بدأ بترويعهم وملاحقتهم.
أما الرؤية الجديدة في مبررات الصلح فخُلاصتُها : أنّ الحَسَن كان قد صالَح عن قوة وليس عن ضعف فهو أشبه بصُلح الحُدَيبِيّة بل امتداد له في الهدف والأسلوب ،
وتوضيح ذلك : انّ معاوية بعد انْ بايعه أهل الشام بادر يطلب الصُلح من الإمام الحسن الذي بايعَه أهل العراق حاكما خَلَفَاً لأبيه علِي وهو انْ يبقى الحَسَنُ على البلاد التي بايعه أهلُها وهو النصف الشرقي للبلاد الإسلامية ،
وأن يبقى معاوية على النصف الغربي من البلاد الإسلامية حيث بايَعَه أهلها على الحكم ،
ومبررات هذا الصلح واضحة لدى معاوية فهو بين ضغط حَلَقات الخوارج الخفية من الداخل التي تستهدف اغتياله، وضغط الروم على الحدود الشمالية الشرقية، وجيشهم على أهبة الاستعداد لغزو الشام ،
ولم يكن معاوية لِيُجَمِّدَ شن الغارات على أطراف علِيٍّ دون مكسب سياسي يسجله لصالحه ، ومن هنا عرض على الحَسَن وقد عبَّأَ جيشه للقتال مضافا إلى تعبئة أبيه علِي لكي يؤَمِّن جهته بالمصالحة ويتفرغ للمشكلتين الآنفتي الذِّكْر .
فكان أمام الحَسَن أحد خيارين :
الأول : قبول أطروحة الصلح بالصيغة التي عرضها معاوية وأهم مبررات قبولها بالنسبة للحَسَن عليه السلام هو تجميد الصراع مع معاوية ليتفرغ للإرهاب الداخلي، هذا هو التفكير البادِه لمن يهُمُّه بناء دولة وحكم خاص به .
ولكن هذا الخيار يُكَرِّس الانشقاق الأموي مع إعلامه الكاذب في عَلِيٍّ عليه السلام إذ يعرضه رأس الفساد والإلحاد في دين محمد صلى الله عليه وآلِه، بينما هو رأس مشروع الهداية في المجتمع بعد النبي.
الثاني : رَفُضُ الصلح واللجوء إلى الحرب بصفته وارث مشروع أبيه عَلِي، مشروع إحياء السنة النبوية في مجتمع الفُتوح الذي حُرِمَ منها ، المشروع الذي نجح في النصف الشرقي من البلاد الإسلامية وصارت الكوفة مركزا له ، وانغلقت البلاد الغربية عنه وتحولت الشام إلى مركز يعمل على تطويقه وَوَأْدِه،
لإحياء المشروع القَرَشِي بقيادةٍ أموية فكانت معركة الجَمَل في البصرة بتخطيطٍ أموي وتنفيذٍ قَرَشِي ومعركة صِفِّين في الشام التي أعَدَّ لها معاويةُ عدتَها منذ سنين ، ثم نتجت عنها معركة النَّهْرَوَان في العراق ،
وهذا نظير تحولِ مكة في بدء الإسلام إلى مركز يصد عن دعوة محمد صلى الله عليه وآلِه بقيادة أموية فكانت معركة بدر التي قادت إلى معركة أُحُد وهي أَنْتَجَت معركةَ الخَنْدق ولكن الحَسَن وهو العارف بحكمة الحرب والصُّلْح في دين جده النبي أدرك أن خيار الحرب ليس بصالح مشروع أبيه عَلِي ،
والسرُّ في ذلك هو أن الحرب بين عَلِيٍّ ومعاوية قد أفرزت إعلاما أُمَوياً كاذبا في حق عَلِيٍّ، تحول إلى معتقد لدى أهل الشام ومن ثم فإن خيار الحرب سوف لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإعلام الكاذب في حق عَلِيٍّ ثم إلى مزيد من التكريس لمعتقد أهل الشام الخاطئ فيه ،
ومن ثم مزيد من الحُجُب عن مشروع عَلِيٍّ الإحيائي للسُنّة النبوية . تماما كما كان الأمر بين النبي وقُرَيش فلم يكن خيار النبي أن تستمر الحرب مع قريش بعد معركة الخندق مع أن قُرَيشاً وحلفاءها قد انهزموا شر هزيمة ،
وذلك لأن الحرب بين النبي وقريش قد أفرزت إعلاما قُرَشِيّاً كاذبا في حق النبي صلى الله عليه وآلِه، تحول إلى معتقد لدى العرب المتحالفة مع قُرَيشٍ ومن ثم فإن الحرب سوف لن تزيدهم إلا تَكْريساً لإعلامهم الكاذب ثم تَكْريساً لمعتقدهم الخاطئ في النبي وبالتالي لن تزيدهم الحرب الا بُعداً عن الهداية التي بُعِث النبيُّ لأجلها
وكما عَدَلَ النبيُّ إلى خِيِار الصُلح بوصفه الحلَّ الوحيد لقلب المعادلة معَ قُرَيش، وفَتَحَ الطريقَ أمام مشروع الهداية الذي جاء به، كذلك لابد للحَسَنِ أن يَعْدِل من خِيِار الحرب إلى الصُلحِ بوصفه الأسلوب الوحيد، لقلب المعادلة مع معاوية، وفتحِ الشامِ، المشروعَ الهدايةِ الذي نهض به عَلِيٌّ عليه السلام ،
ولكنه صُلْحٌ بصيغة جديدة لا تمت إلى الصيغة التي عرضها معاوية بصلة ، بل هو صُلْحٌ يستمد روحَه وهدفَه وفلسفتَه من صُلْحِ جده النبي مع قُرَيشٍ حين أَوْضَحَ للقبائل المتحالفة مع قُرَيش بما لا يقبل الشك أن قٌرَيشاً هي التي تَصُدُ عن بيت الله وليس محمداً كما كانت تزعم في إعلامها الكاذب ، وأن محمداً كان يُعَظِّمَ بيت الله ودين إبراهيم بما لم يُعَظِّمَه به أحَدٌ من العرب ولا من قُرَيشٍ آنذاك .
وكذلك الحَسَنُ في صُلْحِه فإنه يريد أن يوضِّحَ لأهل الشام بما لا يقبل التأويل أن معاوية ومِنْ قَبْلُ الخلفاءَ الثلاثةَ كان يصدون عن سُنَّة النبي كما هو واضح في قصة حجِّ التَّمَتُّع ،
بل أَنّ معاوية وأباه كانا على رأس من يَصُدُّ عن دعوة النبي ويقاتله وأنَّ عَلِيّاً هو الذي أحيا سُنَّة النبي كما هو واضح في قصة حج التَّمَتُّع، بل لِعَلِيٍّ مواقفٌ وتاريخٌ يكشف عن اتّباعِه للنبي ونُصْرتِه له بما لا يضاهيه أحَدٌ من المسلمين ،
وهكذا فاجَأَ الحَسَنُ خصمَه معاويةَ بصيغة صُلْحٍ لم تَدُرْ في خَلَدِه، بل لم يكن تكوينه الجَشِع ورغبتُه الجامحة للسلطة وأصولُه الجاهلية لتسمح له أن يفكر بها ،
المؤلف: سماحة السيد سامي البَدري
اشترِكْ في القناة لدعم القائمين عليها.
لقراءة الكتاب حمله من مكتبة نرجس:
https://www.narjeslibrary.com/gdyd-alktb/i/81028034/article-5934
نقرأ من صفحة ثلاثة وثلاثين إلى صفحةِ ثمانية وثلاثين.
الرؤية الجديدة:
أما النتائج الجديدة، فتتعلق بوضع أهل الكوفة، في السنوات العشر من الصلح، حيث كانوا آمِنين، ولم يُرَوَّع شيعي واحد منهم بسبب ولائه لِعَلْيٍ بل الفرصة متاحة، لهم لينشروا ما وعوه وحملوه عن علِيٍ عليه السلام، من علم وسيرة مشرقة، بين أهل الشام ،
هذا في قبال الرؤية السائدة التي تقول أنّ معاويةَ أعلن عن نقضه لشروط الحَسَن منذ اليوم الأول الذي دخل فيه الكوفة وأنه بدأ بترويعهم وملاحقتهم.
أما الرؤية الجديدة في مبررات الصلح فخُلاصتُها : أنّ الحَسَن كان قد صالَح عن قوة وليس عن ضعف فهو أشبه بصُلح الحُدَيبِيّة بل امتداد له في الهدف والأسلوب ،
وتوضيح ذلك : انّ معاوية بعد انْ بايعه أهل الشام بادر يطلب الصُلح من الإمام الحسن الذي بايعَه أهل العراق حاكما خَلَفَاً لأبيه علِي وهو انْ يبقى الحَسَنُ على البلاد التي بايعه أهلُها وهو النصف الشرقي للبلاد الإسلامية ،
وأن يبقى معاوية على النصف الغربي من البلاد الإسلامية حيث بايَعَه أهلها على الحكم ،
ومبررات هذا الصلح واضحة لدى معاوية فهو بين ضغط حَلَقات الخوارج الخفية من الداخل التي تستهدف اغتياله، وضغط الروم على الحدود الشمالية الشرقية، وجيشهم على أهبة الاستعداد لغزو الشام ،
ولم يكن معاوية لِيُجَمِّدَ شن الغارات على أطراف علِيٍّ دون مكسب سياسي يسجله لصالحه ، ومن هنا عرض على الحَسَن وقد عبَّأَ جيشه للقتال مضافا إلى تعبئة أبيه علِي لكي يؤَمِّن جهته بالمصالحة ويتفرغ للمشكلتين الآنفتي الذِّكْر .
فكان أمام الحَسَن أحد خيارين :
الأول : قبول أطروحة الصلح بالصيغة التي عرضها معاوية وأهم مبررات قبولها بالنسبة للحَسَن عليه السلام هو تجميد الصراع مع معاوية ليتفرغ للإرهاب الداخلي، هذا هو التفكير البادِه لمن يهُمُّه بناء دولة وحكم خاص به .
ولكن هذا الخيار يُكَرِّس الانشقاق الأموي مع إعلامه الكاذب في عَلِيٍّ عليه السلام إذ يعرضه رأس الفساد والإلحاد في دين محمد صلى الله عليه وآلِه، بينما هو رأس مشروع الهداية في المجتمع بعد النبي.
الثاني : رَفُضُ الصلح واللجوء إلى الحرب بصفته وارث مشروع أبيه عَلِي، مشروع إحياء السنة النبوية في مجتمع الفُتوح الذي حُرِمَ منها ، المشروع الذي نجح في النصف الشرقي من البلاد الإسلامية وصارت الكوفة مركزا له ، وانغلقت البلاد الغربية عنه وتحولت الشام إلى مركز يعمل على تطويقه وَوَأْدِه،
لإحياء المشروع القَرَشِي بقيادةٍ أموية فكانت معركة الجَمَل في البصرة بتخطيطٍ أموي وتنفيذٍ قَرَشِي ومعركة صِفِّين في الشام التي أعَدَّ لها معاويةُ عدتَها منذ سنين ، ثم نتجت عنها معركة النَّهْرَوَان في العراق ،
وهذا نظير تحولِ مكة في بدء الإسلام إلى مركز يصد عن دعوة محمد صلى الله عليه وآلِه بقيادة أموية فكانت معركة بدر التي قادت إلى معركة أُحُد وهي أَنْتَجَت معركةَ الخَنْدق ولكن الحَسَن وهو العارف بحكمة الحرب والصُّلْح في دين جده النبي أدرك أن خيار الحرب ليس بصالح مشروع أبيه عَلِي ،
والسرُّ في ذلك هو أن الحرب بين عَلِيٍّ ومعاوية قد أفرزت إعلاما أُمَوياً كاذبا في حق عَلِيٍّ، تحول إلى معتقد لدى أهل الشام ومن ثم فإن خيار الحرب سوف لن يؤدي إلا إلى مزيد من الإعلام الكاذب في حق عَلِيٍّ ثم إلى مزيد من التكريس لمعتقد أهل الشام الخاطئ فيه ،
ومن ثم مزيد من الحُجُب عن مشروع عَلِيٍّ الإحيائي للسُنّة النبوية . تماما كما كان الأمر بين النبي وقُرَيش فلم يكن خيار النبي أن تستمر الحرب مع قريش بعد معركة الخندق مع أن قُرَيشاً وحلفاءها قد انهزموا شر هزيمة ،
وذلك لأن الحرب بين النبي وقريش قد أفرزت إعلاما قُرَشِيّاً كاذبا في حق النبي صلى الله عليه وآلِه، تحول إلى معتقد لدى العرب المتحالفة مع قُرَيشٍ ومن ثم فإن الحرب سوف لن تزيدهم إلا تَكْريساً لإعلامهم الكاذب ثم تَكْريساً لمعتقدهم الخاطئ في النبي وبالتالي لن تزيدهم الحرب الا بُعداً عن الهداية التي بُعِث النبيُّ لأجلها
وكما عَدَلَ النبيُّ إلى خِيِار الصُلح بوصفه الحلَّ الوحيد لقلب المعادلة معَ قُرَيش، وفَتَحَ الطريقَ أمام مشروع الهداية الذي جاء به، كذلك لابد للحَسَنِ أن يَعْدِل من خِيِار الحرب إلى الصُلحِ بوصفه الأسلوب الوحيد، لقلب المعادلة مع معاوية، وفتحِ الشامِ، المشروعَ الهدايةِ الذي نهض به عَلِيٌّ عليه السلام ،
ولكنه صُلْحٌ بصيغة جديدة لا تمت إلى الصيغة التي عرضها معاوية بصلة ، بل هو صُلْحٌ يستمد روحَه وهدفَه وفلسفتَه من صُلْحِ جده النبي مع قُرَيشٍ حين أَوْضَحَ للقبائل المتحالفة مع قُرَيش بما لا يقبل الشك أن قٌرَيشاً هي التي تَصُدُ عن بيت الله وليس محمداً كما كانت تزعم في إعلامها الكاذب ، وأن محمداً كان يُعَظِّمَ بيت الله ودين إبراهيم بما لم يُعَظِّمَه به أحَدٌ من العرب ولا من قُرَيشٍ آنذاك .
وكذلك الحَسَنُ في صُلْحِه فإنه يريد أن يوضِّحَ لأهل الشام بما لا يقبل التأويل أن معاوية ومِنْ قَبْلُ الخلفاءَ الثلاثةَ كان يصدون عن سُنَّة النبي كما هو واضح في قصة حجِّ التَّمَتُّع ،
بل أَنّ معاوية وأباه كانا على رأس من يَصُدُّ عن دعوة النبي ويقاتله وأنَّ عَلِيّاً هو الذي أحيا سُنَّة النبي كما هو واضح في قصة حج التَّمَتُّع، بل لِعَلِيٍّ مواقفٌ وتاريخٌ يكشف عن اتّباعِه للنبي ونُصْرتِه له بما لا يضاهيه أحَدٌ من المسلمين ،
وهكذا فاجَأَ الحَسَنُ خصمَه معاويةَ بصيغة صُلْحٍ لم تَدُرْ في خَلَدِه، بل لم يكن تكوينه الجَشِع ورغبتُه الجامحة للسلطة وأصولُه الجاهلية لتسمح له أن يفكر بها ،