مواهب الرحمن في تفسير القرآن - 14 جزء

أضيف بتاريخ 12/27/2023
مكتبة نرجس للكتب المصورة



وبعد : فقد شملتني عنايته تبارك وتعالى لتفسير هذا الكتاب العظيم ، الذي عجزت العقول عن درك كنهه ، فكما أنّ ظاهر لفظه : ﴿قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظهيراً، فحقائقه ورموزه أولى أن تكون كذلك ، ففي كل سورة مـنـه بـحـار مــن المعارف ، وتتجلى من كل آية منه أنوار من الحقائق ، وكيف لا يكون كذلك وقائله لا نهاية لعلمه وكماله ، ولا حد لعظمته وجلاله ، وما حصل من التحديدات إنما هو من مقتضيات الاستعدادات ، لا أن يكون تحديداً فيه . وقد ظهر لي بعد مراجعتي لجملة من التفاسير، أنه فسر كـل صـنـف مـن العلماء القرآن بما هو المأنوس عندهم ، فالفلاسفة والمتكلمون فسروه بمذهبهم من الآراء الفلسفية والكلامية ، والعرفاء والصوفية على طريقتهم، والفقهاء همهم تفسير الآيات الوارده في الأحكام ، والمحدثون فسروه بخصوص ما ورد من السنة الشريفة في الآيات ، كما أنّ الأدباء كان منهجهم الاهتمام بجهاته الأدبية دون غيرها . والعجب أنه كلما كثر في هذا الوحي المبين، والنور العظيم من هذه البيانات والتفاسير، فهو على كرسي رفعته وجماله ، ويزداد على مر العصور تلألؤا وجلالاً . وقد فسر نفسه بنفسه ، لأنه تبيان كل شيء ، فإذا كان كذلك فأولى أن يكون تبياناً لنفسه ، مستدلاً لذلك بما ورد من السنّة النبوية ، والمأثور عن آله الذين قرنهم النبي عليه واله ه بالكتاب ، وجعلهم الأدلاء عليه، فجمعت بينهما وبين ما اتفق عليه الجميع مع تقرير الشريعة له ، وقد بذلت جهدي في عدم التفسير بالرأي مهما أمكنني ذلك ، تأسياً بقول نبينا الأعظم الله : «من فسر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ»، وقد ذكرت ما يمكن أن يستظهر من الآيات المباركة بقرائن معتبرة،