كتاب: منهج، في الانتماء المذهبي
المؤلف: صائب عبد الحميد
عدد الصفحات: 416
ليس هو كتاباً مذهبياً يراد منه تعميق الخلاف بين المسلمين ، فما أحوجنا اليوم إلى كلمة تلم شملنا ، وتؤلف بين قلوبنا ، وما أحرانا باجتياز الحواجز التي ركزت بيننا . ثم ما أشوقنا إلى لغة الحوار السليم التي تعيننا على ذلك ، إذن لبلغنا المني ولاستوت مراكبنا ، واجتمعت كلمتنا على ما تركه لنا نبينا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا نضل بعده ، ولا تفترق ، أو نسلك سبلاً شتى ... وإذا كانت هناك أسباب ودواع لما حصل بيننا من خلاف ، فما أجمل أن نقف عليها بكل حياد ، وتعقل ، مدركين أن المهم في الأمر هو ظهور النهج الإسلامي الأصيل الحنيف ، وليس غلبة هذا الاتجاه ، أو ذاك .. وأن اتفاقنا على الحق الصريح هو الذي سيضمن اجتماعنا . وأما تعصب كل منا إلى فرقته - ليس إلا لأنه ورثها عن آبائه، ونشأ عليها ، وتشربت بها عروقه - فلا يزيدنا إلا تباعداً عن بعضنا ، وابتعاداً عن المحجة البيضاء ، والشريعة المحمدية السمحاء . وهذا الكتاب هو تجربة شخصية على هذا الطريق . تجربة فيها كل ما في التجارب الكبيرة من مشاكل وصعوبات ، وفيها ما في أخواتها عندما تكلل بالنجاح . وقد لا تكون التجارب في ميدان العقيدة عزيزة، فربما خاضها الكثيرون من أبناء كل جيل، ولكن انتصار اليقين والحق المجرد على العاطفة هو العزيز في تلك التجارب . ولست من الذين يرون أن هزيمة اليقين أمام العاطفة هو من أثر العصبية وحدها ، فربما يكون ذلك ، ولكن ربما تكون هذه العاطفة وفاء للذكريات الجميلة التي لا يشك صاحبها في صفائها، وربما يجتمع الأمران معاً. والوفاء لذاته ممدوح ، يعكس العصبية ... فكثيراً ما يقف المرء على حقيقة كان يعتقد بخلافها، ولكن لعقيدته هذه في قلبه قدسية أحياناً، فينبعث عن هذه القدسية سؤال يقول : أحقاً أن هذا المفهوم الذي عشت أ ت أقدسه لا أصل له ، وأن الصواب في المفهوم الآخر الذي يأباه قلبي وتنفر منه نفسي ؟! هذه هي العصبية ، وكم صدت فحولاً عن مواصلة الطريق نحو الحقيقة الثابتة ... إن العصبية تمنح كثيراً من المفاهيم هالة قدسية ، لكنها سراب لا حقيقة لها .. وأصعب شيء على من يقدس أمراً أن يقال له : إن الذي تقدسه سراب !! وثمة نوع آخر من العاطفة يشد المرء إلى الوراء ... إنه الوفاء للذكريات .. فلم لا وقد أمضى أيام شبابه وهو في ذروة الحماس الديني ، مع ثلة من إخوانه المؤمنين، تزدان مجالسهم بالذكر والبحث الصادق النقي الذي لا تشوبه شائبة من رياء أو مكابرة ؟ إنه ليعشق تلك الذكريات عشقاً لا تتخلله سهام الطعن ، فإذا ما واجهته الحقيقة بغير ما كان يرى ثار شوقه إلى تلك الذكريات وتأجج عشقه لها ، فينبعث من بين الشوق والعشق سؤال يمض الفؤاد : أحقاً كانت مجالسنا تلك قد تخللها شيء من الأوهام ؟! إنه لا يريد أن يشك في ذلك الماضي الجميل !! وهذا هو الوفاء للذكريات ... ولقد كنت للعصبية عدواً حيثما واجهتني، غلبتها أو غلبتني ، أما الذكريات فقد أخيتها وأحسنت صحبتها حتى النهاية ، وقد جعلتها في فقرات من هذا الكتاب بمثابة صديق لي أحاوره فيستجيب لي ولو همساً