كتاب: الدين هو الحب الأخير
المؤلف: أمل الموسوي
عدد الصفحات: 266
إن الله خلق الناس ليرحمهم (إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) (هود/۱۱۹) وليعرفوه ويعبدوه حيث قال تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذاریات/56) وعبادته هي الدين الذي يدين به الإنسان، وهذا الدين لن يتحقق ولن يصل إليه الإنسان إلا بعد المعرفة، وهذه المعرفة لا نستطيع الحصول عليها إلا عن طريق أهل البيت الذين أمرنا بإتباعهم وطاعتهم: (اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني نبيك فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني). والطريق إلى ذلك هو سلوك طريق التقوى حيث قال تعالى (...اتقوا الله ويعلمكم الله...) (البقرة/۲۸۲) وهكذا نصل إلى أن التقوى هي زاد من يريد الكمال في كل شيء حتى في علاقاته مع الآخرين بما فيه حب أهل طاعة الله وبغض أهل معصيته حيث قال تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات/۱۳) فإن التفاضل الحقيقي والصحيح هو ما يكون على أساس التقوى والعمل الصالح حتى يكون مجتمعة سعيدة وصالحا. إن الهدف من إرسال الرسل والأنبياء وتبليغ الأمم بالشرائع والأحكام السماوية هو إنشاء مجتمع موحد قائم على أساس التآلف والحب والعمل الخط العام الصالح الذي يستمد توجيهاته من تلك التشريعات بحيث يصبح هو الصلاح والاستقامة وعدم إعطاء فرصة لقوى العناد أن تجد مكانا إذا أرادوا أن يعيشوا سعداء ينعمون بنزول الرحمة والبركة، وهذا باختصار معنى العبودية التي جعلت هدفا لخلقة المخلوقات من جن وإنس. أما إذا انحرف الإنسان عن قوانين العبودية لله والتزام التقوى في العلاقات الإنسانية واستبدلها بالعصبية وإتباع الهوى وتحكم المصالح والأنانية واستعمال منطق القوي يأكل الضعيف تحولت تلك الحياة إلى غابة وتحولت العلاقات الإنسانية إلى حيوانية همجية وحينذاك سوف تنعدم الرحمة والعطف والمحبة وتشيع روح العداوة والبغضاء والكراهية. لذلك فإن الوصايا والأحاديث التي تحث العباد على التزام الحب في الله والبغض في الله تأخذ بيد الإنسانية إلى النجاة من الوقوع في ارتكاب المعاصي والذنوب والذي يعين على ذلك اختيار الصديق الصدوق الذي يشجعك على اتباع الحق وينهاك عن الخطأ لأن تعريف الصديق هو من كان صادقا معك في كل أحوالك بكل ظروفه.. فلا يغيره تغيير أحوالك ولا تبدله ظروفه عليك.. فليس الصديق من يشجعك على كل شيء حق كان أو باطل ولا من يؤيدك في كل الأمور حيث قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (التوبة/۱۱۹).. حيث قال الإمام علي (ع) (صديقك من نهاك وعدوك من أغراك) (غرر الحکم ج۱ ص ۲۰) وقال الصادق (ع): (لا تسمي الصديق صديقا سمة معروفة حتى تختبره بثلاث: تغضبه فتنظر غضبه يخرجه من الحق إلى الباطل؛ وعند الدنيار والدرهم وحتی تسافر معه) (بحار الأنوار ج ۷۱ ص۱۸۰). وإن الإنسان لكي ينجح في علاقاته مع الآخرين عليه أن يحسن التعامل الاجتماعي عن طريق إحاطته بجملة من العوامل المؤثرة لتحقيق هذا النجاح وهذا لا يحقق إلا بمعرفة ما يلزم فعله من أخلاق وتصرفات وما يلزم اجتنابه من خطوات عملية.. تشترك جميع حواسه أي ما يشاهده وما يسمعه وما يقوله وما يحركه في انطلاقه نحو الهدف وما هي الأشياء التي يجب عليه الاهتمام بها وما هي التي يجب الامتناع عنها مما يحرم استماعه وقوله ويحرم نقله شرعا وعقلا وعرفا متحررة من الاستبداد برأيه في قراراته مصغية الصوت الخير والفضيلة ساعية في طريق الإصلاح متحددة بإطار الحب في الله والبغض في الله.. ونستطيع أن نصف الناجحين بأنهم أهل العقل والفاشلين بأنهم أبل الجهل والهوى حيث قال أمير المؤمنين (ع): (العاقل من غلب هواه ولم آخرته بدنياه (غرر الحكم ج۱ ص۸۶) وقال (العاقل عدو لذته والجاهل عبد شهوته) (غرر الحکم ج۱ ص۱۹).. وقال (العاقل يعتمد على عمله، والجاهل يعتمد على أمله) (غرر الحکم ج۱ ص ۱۰۱) وقال (ألعاقل إذا علم عمل وإذا عمل أخلص) (غرر الحکم ج1 ص54) ويكون ذلك العاقل في كل أحواله مطيعا لله حيث قال النبي () إن العاقل من وحد الله وعمل بطاعته) (تحف العقول ص ۳۸) وعندما سئل الصادق (ع) ما العقل: قال ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان) (أصول الكافي ج ۱ ص ۸) . الإلهي وسوف نستعرض في هذا البحث العوامل المساعدة على تحقيق المبدأ الحب في الله والبغض في الله للترابط الوثيق بينه وبين الإيمان بالله تعالی حسب ما سوف يتضح بصورة جلية.