كتاب: الاستصحاب
تأليف: الامام الخميني
الناشر: مؤسسة تنظيم ونشر اثار الامام الخميني
الطبعة: الاولى 1417هـ
عدد الصفحات: 436
Quote بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد، فالاستصحاب أحد أوتاد وركائز البناء الفقهي الأصيل، ودعامة هامة من دعائمه، جعله الشارع المقدس طريقا وبابا من طرق وأبواب العلم التي يحدد العالم الفقيه وظيفته العملية بها. وقد بدأ الاستصحاب - كسائر العلوم المختلفة - بسيطا في مستواه وحجمه وكيفيته، ثم تطور وتوسع بفعل العوامل الزمانية ومتطلباتها المتكثرة والمتجددة، حتى بلغ القمة والذروة بأيدي العلماء المبتكرين المجددين من ناحية الدقة والعمق والاستيعاب. والمعروف بين الأصوليين أن " الاستصحاب " يطلق على أمور: الأول: استصحاب حال الشرع، أي استصحاب الحكم الشرعي الثابت بدليل سمعي من كتاب أو سنة. الثاني: استصحاب حال الاجماع، والمراد به استصحاب الحكم الثابت بالإجماع، وقد مثل له الشافعية: بالمتيمم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة، فإنه يجب عليه بالإجماع المضي فيها قبل وجدان الماء، فيستصحب هذا الحكم حال الوجدان أيضا، إلى أن يدل على أن رؤية الماء قاطع للصلاة (١.( هذا وقد يطلق أيضا استصحاب الحال ويراد به الأعم من استصحاب حال الاجماع (٢.( الثالث: استصحاب حال العقل - وقد يسمى باستصحاب النفي الأصلي - وهو استصحاب حكم العقل بالبراءة الأصلية، كاستصحاب البالغ لبراءته التي كانت ثابتة له حال الصغر. على ما هو المعروف بين جمع من الأصوليين، خلافا لصاحب " الفصول " رحمه الله تعالى فإنه عممه لكل حكم ثبت بالعقل، سواء كان حكما تكليفيا أم وضعيا، حتى استصحاب عدم الملكية الثابت قبل تحقق موضوعها (٣.( الرابع: استصحاب حال اللغة فيما لو ثبت كون اللفظ حقيقة في معنى، وشك في حصول النقل. الخامس: الاستصحاب القهقري أو القهقرائي، أو المقلوب، وهو أصل عقلائي خاص بباب اللغة، مثاله إثبات اتحاد المعنى الذي نفهمه من اللفظ في زماننا، مع ما يفهمه المعاصرون لزمان صدور النص. المناسب هنا والمعروف بين المتأخرين من " الاستصحاب "، هو المعنى المختلف فيه الذي قد عرفه الأصوليون بتعاريف مختلفة وعبائر شتى، منها: " إبقاء ما كان " و " إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأول " و " الشك المسبوق باليقين " لكن الإمام (قدس سره) عدل عن طريقة القوم وصحح التعاريف بناء على المباني المختلفة. فمن قال بأنه أصل عملي ويكون وظيفة عملية في مقام الشك، يجب تعريفه ب " إبقاء ما كان " ولا يصح له إطلاق الحجة عليه لعدم كونه ناظرا إلى الحكم الواقعي ولا حجة عليه بل الاستصحاب هذا من المسائل الفقهية. ومن قال بأنه حجة على الواقع واعتبره الشارع بجعل اليقين طريقا إلى متعلقه في زمان الشك، فيعرفه ب " اليقين السابق على الشك في البقاء الكاشف عن متعلقه في زمن الشك ". ولو قال إن اعتباره ليس لأجل الطريقية عن الواقع بل لأجل التحفظ عليه، وجب تعريفه ب " اليقين الملحوق بالشك " أو " الشك في بقاء الشئ المسبوق باليقين به ". فما في كلمات بعض من الخلط بين التعاريف والمباني غير وارد مورد التحقيق والتدقيق. كما أن ما ذكره صاحب الكفاية (قدس سره) من كون التعريف واحدا على جميع المباني غير قابل للتصديق. وقد كتب في الاستصحاب وتطرق لهذا الموضوع كل من صنف في علم أصول الفقه - على الأعم الأغلب - فأسهبوا فيه تدقيقا وتحقيقا، وحققوا تقدما في هذا السبيل وبالخصوص على يد الرواد النوابغ، فخلفوا تراثا ضخما، ومنجزات عظيمة. والذي نريد تقريره الآن هو إلقاء نظرة خاطفة سريعة حول أعيان الأعلام ومشاهير العلماء وعلى أهم منجزاتهم في ذلك المضمار حسب التسلسل ألزمني فنقول: إن أول من وصلنا قوله في حجية الاستصحاب هو رئيس الملة وفخرها وعمادها الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد العكبري البغدادي رضوان الله تعالى عليه المتوفى سنة ٤١٣ ه حيث قال: والحكم باستصحاب الحال واجب، لأن حكم الحال ثابت بيقين، وما ثبت...