كتاب: غم في عشق
المؤلف: الشهيد الدكتور مصطفى شمران
عدد الصفحات: 176
كان الدكتور شمران دائماً دامي القلب، ولكنه كان متوقداً ونشيطاً، ودوداً ورقيقاً، وصلباً ومغامراً في نفس الوقت. وكانت نار الحب الإلهي هي سرّ عبادته وجهاده وخدمته للآخرين والمستضعفين. وعلى الرّغم من أنّه كان أسير القهر، فقد كان دفاق المشاعر، مشاعر طاهرة لا تذبل ولا تموت. كان يائسا من الثوار ورجال المقاومة فاتّهمهم بحب الدنيا، وخوف التضحية، والبحث عن المغانم وعن لقمة العيش، وعدم تحمل المعاناة. كان يرى نفسه وحيدًا في هذا العالم، ليس له صديق سوى الغم. لقد قطع الدكتور شمران أمله من النصر، معتقدًا بأن قَدَرَ ألف وأربعمائة سنة من الدموع محال أن يتغيَّر، فقد أعطى القضاء والقدر الأمر بأن يُحطّم الحق عبر التاريخ على يد حكام الجور. كان يرى التاريخ الإسلامي مليئًا بالنكسات والآلام والجراح والمظلومية لرجال الحق، ولا يرى للعمل والجهاد أي أفق، فهو يعمل بحسب التكليف غير آمل بالنصر، لذلك فقد وطن نفسه على الآلام، وأنس بمناجاة الغم، وتواعد مع الموت والشهادة. وأصبح ذلك فلسفته التي أسندها إلى التاريخ والواقع، وكان يقول: نحن نريد احتضان عروس الشهادة دون أمل بالنصر... فما أجمل احتضان الموت والإسراع للقاء الله. كان مثاله في القهر علي، ومثاله في الشهادة الحسين، كان يتغنى بفداء الحسين عليه السلام . بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، عاد الشهيد شمران إلى إيران ليكون في عداد من حفل بالنصر وآمن به واعتبره معجزة إلهية، وقد عمل من أجل حمايته حتى الرمق الأخير. مع كل ما كان يُعانيه، كان متفكّرًا عارفًا يعرج من منزل إلى منزل، ويصعد مدارج الكمال مرقاة فمرقاة، ويحلّق في عالم الملكوت مرحلة فمرحلة. كان يحترق كالفراش، يذوب كالشمع، يترمد كالجمر، وكانت الشهادة المعبر الوحيد الباقي إلى لقائه بالله، وكان العشق النقي هو بيته الآمن الذي بناه في وادي القلب بعيدا عن الزعازع والرياح. قبِل بالموت الذي أحبّه رافعًا له هامته على رغم الجراح التي نزفت تريد ثنيها على كتفيه، فقد تلقّى الشَّهادة بإرادة فولاذية وشوق عاشق متيم بلقاء حبيبه.