كِتاب: الالتقاط الفكري والتحجر العقائدي في نظرة العلّامة المُطَهَّري
المؤلف: محسن آجيني
عدد الصفحات: مئة وواحد وستون
نقرأ من صفحة تسعة عشر إلى صفحة سبعة وعشرين
اشترك في القناة لدعم القائمين عليها.
أولاً :
معنى الالتقاط الفكري وأنواعه
(الالتقاط) لغةً يعني (الأخذ)
وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم مرتين، مرةً؛ في الآية العاشرة من سورة يوسف، حيث قال جل شأنه: «قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وأَلقُوهُ فِي غَيَابَتِ الجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعضُ السيارةِ إن كُنتُم فَاعِلِينَ».
ومرة أخرى يقول عز وجل في الآية الثامنة من سورة القصص :
«فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَونَ لِيَكُونَ لَهُم عَدُوَّاً وَحَزَنَا.
وكما يُلاحَظ، فإن لفظ (الالتقاط ) قد ورد في كلا الآيتين بمعنى «الأخذ». ففي الآية الأولى أُشيرَ إلى أخذ يوسفَ من البئر من قِبَلِ أهل القافلة،
وفي الآية الثانية أَخْذِ موسى عليه السلام من الماء من قِبَلِ آل فرعون.
أما من حيث المعنى الاصطلاحي فان الالتقاط يعني أخْذِ قسم من فكرٍ أو نظرية وخَلْطِهِ بمضامينَ نظرية أخرى.
كأن يُؤخَذ قِسْمٌ من النظرية الماركسية أو الوجودية وغيرِهما ويُخْلَطُ مع أفكار الاسلام أو المسيحية أو باقي النظريات
أنواع الالتقاط الفكري:
يمكن تقسيم الالتقاط الفكري حسب معناه الاصطلاحي من ناحيتين:
من حيث الكيفية، ومن حيث النظريات والمدارس الفكرية.
فمن حيث الكيفية، ينقسم الالتقاط الفكري إلى نوعين :
واحد: الالتقاط العلني :
في هذا النوع من الالتقاط الفكري يُؤخذ قسم من إحدى النظريات بشكل علني وصريح ويُضَمُّ الى نظرية أخرى.
وعلى سبيل المثال يتم إحلال الاقتصاد الاشتراكي أو الرأسمالي محل الاقتصاد الاسلامي.
ففي هذه الحالة يتم تَقَبُّل الاسلام من حيث بُعْدِهِ الفلسفي والعقائدي، والاشتراكية أو الرأسمالية أو الليبرالية من حيث أبعادها الاقتصادية أو السياسية.
ويمكن مشاهدة مثل هذا النوع من الالتقاط في بلدان مثل سوريا وليبيا والجزائر وغيرها. ففي هذه الدول يُصَرِّحُ دستورُ كلٍّ منها أن الدين الرسمي هو الاسلام، ولكن اقتصاد البلاد اقتصاد اشتراكي .
ونظير ذلك ما يُشاهَد في التاريخ السياسي في إيران، حيث وُجِدَتْ فئاتٌ كانت تتصف بالالتقاط الفكري، منها على سبيل المثال حِزْبُ عُبّادِ الله الاشتراكيين، والذي كان له حضوره في الساحة السياسية خلال العقد الرابع من هذا القرن. إذ إنه يتبنى الاسلام ديناً، بَيْدَ أنه يُصرِّحُ أنه يَتَبَنَّى الاقتصاد الاشتراكي.
وهذا النوع من الالتقاط الفكري ينطوي على خطر أقل لأنه يُعْلِنُ جهراً وعَلانية أنه يتبنى الالتقاط وقد انتخب الجزء المُلتَقَط من افكاره علناً وبدون مواربةٍ أو تَسَتُّر.
إثنين: الالتقاط الخفي:
وخِلافاً للالتقاط العلني فان الالتقاط الخفي لا يُعْلِنُ اقتراضَ أفكاره من المذاهب الفكرية الاجنبية بل يقوم بهذه العملية بشكل ضمني.
وبعبارة أخرى؛ إنه يتستر على الجزء المُقتبس من المذاهب الأجنبية عبر إضفاءِ مسحةٍ وصبغةٍ اسلاميةٍ عليها، وتقديم المُسَوِّغَات الاسلاميةِ لها،
وبالتالي فان هذا الالتقاط يبقى مخفياً عن أعيُن الأشخاص السُذَّج ذَوِي النظرات السطحية.
ولقد كان هذا النوع من الالتقاط هو الأكثر شيوعاً في إيران، وكانت الغالبيةُ الساحقةُ من المدارس والنظريات الالتقاطية من هذا النوع.
وتندرج في هذا الاطار فئات وتيارات كالليبراليين ومنظمة المنافقين وحركة المسلمين المناضلين، والفرقان وغيرِها .
في الالتقاط الخفي تؤخذ آراء المدارس الأجنبـية (كالماركسية مثلاً) وتجري محاولة تسويغِها عبر إيراد مجموعة من الآيات والروايات، أو كما يُقال تَتُمُّ (أسْلَمَتُها).
ويمكن أن يكون الالتقاط الخفي نَفْسُهُ على وجهين:
واحد: جزئي.
اثنين: كلي
وفي الالتقاط الخفي الجزئي، يتُم أخْذُ قسم من مذهب فكري أجنبي ويُضَمُّ إلى الاسلام ويندمجُ فيه مشفوعاً بتسويغٍ اسلامي .
بَيْدَ أنَّ الأمر يتم في الالتقاط الخفي الكلي بشكلٍ تكُوْنُ فيه نظرية المذهب الفكري الأصلي وتحليلُهُ والروحُ السائدةُ فيه هي النظرية والتحليل والروح العائدة للمذهب الفكري الأجنبي.
في الالتقاط الجزئي، يتم أخْذُ أسس الفلسفة أو الاقتصاد او التحليل الاجتماعي والتاريخي مثلاً، وتُقدَّم لها التَّسْويغات المناسبة،
أما في الالتقاط الكلي فإن كل العقائد سواء الاسس الفلسفية والعقائدية أو الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتاريخية للدين يتم عرضها من خلال التحليل والنظرة الأجنبية وفي إطارهما، ولكن بمظهر ولباس إسلامي.
ويُعْتَبَرُ هذا النوعُ من الالتقاط (الالتقاط الخفي الكلي) أخطر أنواع النظرات الالتقاطية الهجينة، وأساساً فإنَّ أحد الأساليب المادية الهادفة لإشاعة الفكر الإلحادي المادي في المجتمعات الدينية هو عَرْضُ الفكر الالتقاطي من هذا النوع .
يقول الشهيد المُطَهَّري في هذا المجال:
لقد تمسك المنهجُ المادي في إيران خلال السنة أو السنتين الأخيرتين بحيلة ماكرة وخطيرة للغاية وخطرها أكبر من خطر تشويه الشخصيات، وهو تحريف آيات القرآن الكريم وتفسير آياته تفسيراً مادياً مع الحفاظ على القوالب الظاهرية للالفاظ .
هذه الحيلةُ تُعتبرُ حيلة جديدة ولم يَمْضِ على ظهورها في ايران سوى أقل من عامين. وطبعاً فإن أصل هذه الخطة والحيلة ليس شيئاً جديداً، وانما هي خطةٌ وضَعَها كارل ماركَس من أجل اجتثاث جذور الدين من أذهان الجماهير المؤمنة قبل أكثر من مئة عام.
وتتلخص خطة ماركِس في أنه من أجل مكافحة الدين بين جماهير مؤمنة به ينبغي استخدام الدين نفسه لضرب الدين بحيث يَتَمُّ تفريغُ المفاهيم الدينية من مضمونها المعنوي والأصلي ، ثم مَلْؤها بمضمون مادي، لكي تفهم الجماهير الدين وتنظر إليه على أنه مذهب مادي وبعد هذه المرحلة فإنَّ التخلص من القشرة الدينية الظاهرية يُصبح أمراً سهلاً وهيناً.
المؤلف: محسن آجيني
عدد الصفحات: مئة وواحد وستون
نقرأ من صفحة تسعة عشر إلى صفحة سبعة وعشرين
اشترك في القناة لدعم القائمين عليها.
أولاً :
معنى الالتقاط الفكري وأنواعه
(الالتقاط) لغةً يعني (الأخذ)
وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم مرتين، مرةً؛ في الآية العاشرة من سورة يوسف، حيث قال جل شأنه: «قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وأَلقُوهُ فِي غَيَابَتِ الجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعضُ السيارةِ إن كُنتُم فَاعِلِينَ».
ومرة أخرى يقول عز وجل في الآية الثامنة من سورة القصص :
«فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَونَ لِيَكُونَ لَهُم عَدُوَّاً وَحَزَنَا.
وكما يُلاحَظ، فإن لفظ (الالتقاط ) قد ورد في كلا الآيتين بمعنى «الأخذ». ففي الآية الأولى أُشيرَ إلى أخذ يوسفَ من البئر من قِبَلِ أهل القافلة،
وفي الآية الثانية أَخْذِ موسى عليه السلام من الماء من قِبَلِ آل فرعون.
أما من حيث المعنى الاصطلاحي فان الالتقاط يعني أخْذِ قسم من فكرٍ أو نظرية وخَلْطِهِ بمضامينَ نظرية أخرى.
كأن يُؤخَذ قِسْمٌ من النظرية الماركسية أو الوجودية وغيرِهما ويُخْلَطُ مع أفكار الاسلام أو المسيحية أو باقي النظريات
أنواع الالتقاط الفكري:
يمكن تقسيم الالتقاط الفكري حسب معناه الاصطلاحي من ناحيتين:
من حيث الكيفية، ومن حيث النظريات والمدارس الفكرية.
فمن حيث الكيفية، ينقسم الالتقاط الفكري إلى نوعين :
واحد: الالتقاط العلني :
في هذا النوع من الالتقاط الفكري يُؤخذ قسم من إحدى النظريات بشكل علني وصريح ويُضَمُّ الى نظرية أخرى.
وعلى سبيل المثال يتم إحلال الاقتصاد الاشتراكي أو الرأسمالي محل الاقتصاد الاسلامي.
ففي هذه الحالة يتم تَقَبُّل الاسلام من حيث بُعْدِهِ الفلسفي والعقائدي، والاشتراكية أو الرأسمالية أو الليبرالية من حيث أبعادها الاقتصادية أو السياسية.
ويمكن مشاهدة مثل هذا النوع من الالتقاط في بلدان مثل سوريا وليبيا والجزائر وغيرها. ففي هذه الدول يُصَرِّحُ دستورُ كلٍّ منها أن الدين الرسمي هو الاسلام، ولكن اقتصاد البلاد اقتصاد اشتراكي .
ونظير ذلك ما يُشاهَد في التاريخ السياسي في إيران، حيث وُجِدَتْ فئاتٌ كانت تتصف بالالتقاط الفكري، منها على سبيل المثال حِزْبُ عُبّادِ الله الاشتراكيين، والذي كان له حضوره في الساحة السياسية خلال العقد الرابع من هذا القرن. إذ إنه يتبنى الاسلام ديناً، بَيْدَ أنه يُصرِّحُ أنه يَتَبَنَّى الاقتصاد الاشتراكي.
وهذا النوع من الالتقاط الفكري ينطوي على خطر أقل لأنه يُعْلِنُ جهراً وعَلانية أنه يتبنى الالتقاط وقد انتخب الجزء المُلتَقَط من افكاره علناً وبدون مواربةٍ أو تَسَتُّر.
إثنين: الالتقاط الخفي:
وخِلافاً للالتقاط العلني فان الالتقاط الخفي لا يُعْلِنُ اقتراضَ أفكاره من المذاهب الفكرية الاجنبية بل يقوم بهذه العملية بشكل ضمني.
وبعبارة أخرى؛ إنه يتستر على الجزء المُقتبس من المذاهب الأجنبية عبر إضفاءِ مسحةٍ وصبغةٍ اسلاميةٍ عليها، وتقديم المُسَوِّغَات الاسلاميةِ لها،
وبالتالي فان هذا الالتقاط يبقى مخفياً عن أعيُن الأشخاص السُذَّج ذَوِي النظرات السطحية.
ولقد كان هذا النوع من الالتقاط هو الأكثر شيوعاً في إيران، وكانت الغالبيةُ الساحقةُ من المدارس والنظريات الالتقاطية من هذا النوع.
وتندرج في هذا الاطار فئات وتيارات كالليبراليين ومنظمة المنافقين وحركة المسلمين المناضلين، والفرقان وغيرِها .
في الالتقاط الخفي تؤخذ آراء المدارس الأجنبـية (كالماركسية مثلاً) وتجري محاولة تسويغِها عبر إيراد مجموعة من الآيات والروايات، أو كما يُقال تَتُمُّ (أسْلَمَتُها).
ويمكن أن يكون الالتقاط الخفي نَفْسُهُ على وجهين:
واحد: جزئي.
اثنين: كلي
وفي الالتقاط الخفي الجزئي، يتُم أخْذُ قسم من مذهب فكري أجنبي ويُضَمُّ إلى الاسلام ويندمجُ فيه مشفوعاً بتسويغٍ اسلامي .
بَيْدَ أنَّ الأمر يتم في الالتقاط الخفي الكلي بشكلٍ تكُوْنُ فيه نظرية المذهب الفكري الأصلي وتحليلُهُ والروحُ السائدةُ فيه هي النظرية والتحليل والروح العائدة للمذهب الفكري الأجنبي.
في الالتقاط الجزئي، يتم أخْذُ أسس الفلسفة أو الاقتصاد او التحليل الاجتماعي والتاريخي مثلاً، وتُقدَّم لها التَّسْويغات المناسبة،
أما في الالتقاط الكلي فإن كل العقائد سواء الاسس الفلسفية والعقائدية أو الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتاريخية للدين يتم عرضها من خلال التحليل والنظرة الأجنبية وفي إطارهما، ولكن بمظهر ولباس إسلامي.
ويُعْتَبَرُ هذا النوعُ من الالتقاط (الالتقاط الخفي الكلي) أخطر أنواع النظرات الالتقاطية الهجينة، وأساساً فإنَّ أحد الأساليب المادية الهادفة لإشاعة الفكر الإلحادي المادي في المجتمعات الدينية هو عَرْضُ الفكر الالتقاطي من هذا النوع .
يقول الشهيد المُطَهَّري في هذا المجال:
لقد تمسك المنهجُ المادي في إيران خلال السنة أو السنتين الأخيرتين بحيلة ماكرة وخطيرة للغاية وخطرها أكبر من خطر تشويه الشخصيات، وهو تحريف آيات القرآن الكريم وتفسير آياته تفسيراً مادياً مع الحفاظ على القوالب الظاهرية للالفاظ .
هذه الحيلةُ تُعتبرُ حيلة جديدة ولم يَمْضِ على ظهورها في ايران سوى أقل من عامين. وطبعاً فإن أصل هذه الخطة والحيلة ليس شيئاً جديداً، وانما هي خطةٌ وضَعَها كارل ماركَس من أجل اجتثاث جذور الدين من أذهان الجماهير المؤمنة قبل أكثر من مئة عام.
وتتلخص خطة ماركِس في أنه من أجل مكافحة الدين بين جماهير مؤمنة به ينبغي استخدام الدين نفسه لضرب الدين بحيث يَتَمُّ تفريغُ المفاهيم الدينية من مضمونها المعنوي والأصلي ، ثم مَلْؤها بمضمون مادي، لكي تفهم الجماهير الدين وتنظر إليه على أنه مذهب مادي وبعد هذه المرحلة فإنَّ التخلص من القشرة الدينية الظاهرية يُصبح أمراً سهلاً وهيناً.