كتاب: الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام
المؤلف: المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
لقراءة الكتاب:
https://www.narjeslibrary.com/gdyd-alktb/i/44700902/article-4255
نقرأ من مئة وستة وثمانين إلى صفحة مئتين وثلاثة عشر.
اشترك في القناة لدعم القائمين عليها.
أهداف المأمون من البيعة:
هذا .. وبعد كل الذي قدمناه، فإننا نستطيع في نهاية المطاف أن نجمل أهداف المأمون، وما كان يتوخاه من أخذ البيعة للرضا الله بولاية العهد بعده.. على النحو التالي:
الهدف الأول:
أن يأمن الخطر الذي كان يتهدده من قبل تلك الشخصية الفذة، شخصية الإمام الرضا الله الذي كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب، وكان الأرضى في الخاصة والعامة . باعتراف نفس المأمون .، حيث لا يعود باستطاعة الإمام الله أن يدعو الناس إلى الثورة ولا أن يأتي بأية حركة ضد الحكم، بعد أن أصبح هو ولي العهد فيه. ولسوف لا ينظر الناس إلى أية بادرة عدائية منه لنظام الحكم القائم إلا على أنها نكران للجميل، لا مبرر لها، ولا منطق يدعمها.
وقد أشار المأمون إلى ذلك، عندما صرح بأنه خشي إن ترك الإمام على حاله: أن ينفتق عليه منه ما لا يسده، ويأتي منه عليه ما لا يطيقه فأراد أن يجعله ولي عهده ليكون دعاؤه له. كما سيأتي بيانه في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله تعالى.
وأنه كان للمأمون على كل واحد صاحب خبر (٢). ... فإننا نعرف السر في إرساله بعض جواريه إلى الإمام الرضا الا بعنوان : هدية .. وقد أرجعها الإمام الله إليه مع عدة أبيات من الشعر، عندما رآها اشمأزت من شيبه) (۳).
ولم يكتف بذلك، بل وضع على الإمام الله عيوناً آخرين، يخبرونه بكل حركة من حركاته، وكل تصرف من تصرفاته.
فقد كان هشام بن إبراهيم الراشدي من أخص الناس عند الرضا الا ، وكانت أمور الرضا تجري من عنده، وعلى يده، ولكنه لما حمل إلى مرو اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين، والمأمون، فحظي بذلك عندهما. وكان لا يخفي عليهما شيئاً من أخباره، فولاه المأمون حجابة الرضا. وكان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه لا يصل إليه. وكان لا يتكلم الرضا في داره بشيء إلا أورده هشام على المأمون، وذي الرئاستين .. ( وعن أبي الصلت: أن الرضا ( كان يناظر العلماء، فيغلبهم، فكان الناس يقولون : والله إنه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أهل الأخبار يرفعون ذلك إليه .. ) (٢) وأخيرا .. فإننا نلاحظ أن جعفر بن محمد بن الأشعث، يطلب من الإمام الله : أن يحرق كتبه إذا قرأها، مخافة أن تقع في يد غيره، ويقول الإمام اللا مطمئنا له : «إني إذا قرأت كتبه إلي أحرقتها . ) (۳) إلى غير ذلك من الدلائل والشواهد الكثيرة التي لا نرى أننا بحاجة إلى تتبعها واستقصائها.
الهدف الثالث:
أن يجعل الإمام الا قريباً منه، ليتمكن من عزله عن الحياة الاجتماعية، وإبعاده عن الناس، وإبعاد الناس عنه، حتى لا يؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية، وبما منحه الله إياه من العلم، والعقل والحكمة. ويريد أن يحد من ذلك النفوذ له الذي كان يتزايد باستمرار، سواء في خراسان، أو في غيرها. وأيضا .. أن لا يمارس الإمام أي نشاط لا يكون له هو دور رئيس فيه، وخصوصاً بالنسبة لرجال الدولة، إذ قد يتمكن الإمام اللا من قلوبهم، ومن ثم من تدبير شيء ضد النظام القائم. دون أن يشعر أحد والأهم من ذلك كله:
أنه كان يريد عزل الإمام الله عن شيعته ومواليه وقطع صلاتهم به، وليقطع بذلك آمالهم، ويشتت شملهم، ويمنع الإمام من أن يصدر إليهم من أوامره، ما قد يكون له أثر كبير على مستقبل المأمون، وخلافته.
وبذلك يكون أيضا قد مهد الطريق للقضاء على الإمام الله نهائياً، والتخلص منه بالطريقة المناسبة، وفي الوقت المناسب. وقد قال المأمون إنه: (يحتاج لأن يضع من الإمام قليلاً قليلا ، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا
يستحق لهذا الأمر. ثم يدبر فيه بما يحسم عنه مواد بلائه. كما سيأتي. وقد قرأنا آنفا أنه : ( كان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب . أي هشام بن إبراهيم . وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه).
كما أن الرضا نفسه قد كتب في رسالته منه إلى أحمد بن محمد البيزنطي، يقول: ((وأما ما طلبت من الإذن علي، فإن الدخول إلي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك الآن، فلست تقدر الآن، وسيكون إن شاء الله.
كما أننا نرى أنه عندما وصل إلى القادسية، وهو في طريقه إلى مرو، يقول لأحمد بن محمد بن أبي نصر : (إكتر لي حجرة لها بابان باب إلى الخان، وباب إلى خارج، فإنه أستر عليك..)).
ولعل ذلك هو السبب في طلبه من الإمام اللا ، ومن رجاء بن أبي الضحاك : أن يمرا عن طريق البصرة، فالأهواز إلخ.. ما سيأتي : ولا نستبعد أيضاً أن يكون عزل الإمام عن الناس، هو أحد أسباب إرجاع الإمام الرضا عن صلاة العيد مرتين (۲). وللسبب نفسه أيضا فرق عنه تلامذته، عندما أخبر أنه يقوم بمهمة التدريس، وحتى لا يظهر علم الإمام، وفضله.. إلى آخر ما هنالك من صفحات تاريخ المأمون السوداء.
المؤلف: المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
لقراءة الكتاب:
https://www.narjeslibrary.com/gdyd-alktb/i/44700902/article-4255
نقرأ من مئة وستة وثمانين إلى صفحة مئتين وثلاثة عشر.
اشترك في القناة لدعم القائمين عليها.
أهداف المأمون من البيعة:
هذا .. وبعد كل الذي قدمناه، فإننا نستطيع في نهاية المطاف أن نجمل أهداف المأمون، وما كان يتوخاه من أخذ البيعة للرضا الله بولاية العهد بعده.. على النحو التالي:
الهدف الأول:
أن يأمن الخطر الذي كان يتهدده من قبل تلك الشخصية الفذة، شخصية الإمام الرضا الله الذي كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب، وكان الأرضى في الخاصة والعامة . باعتراف نفس المأمون .، حيث لا يعود باستطاعة الإمام الله أن يدعو الناس إلى الثورة ولا أن يأتي بأية حركة ضد الحكم، بعد أن أصبح هو ولي العهد فيه. ولسوف لا ينظر الناس إلى أية بادرة عدائية منه لنظام الحكم القائم إلا على أنها نكران للجميل، لا مبرر لها، ولا منطق يدعمها.
وقد أشار المأمون إلى ذلك، عندما صرح بأنه خشي إن ترك الإمام على حاله: أن ينفتق عليه منه ما لا يسده، ويأتي منه عليه ما لا يطيقه فأراد أن يجعله ولي عهده ليكون دعاؤه له. كما سيأتي بيانه في فصل: مع بعض خطط المأمون إن شاء الله تعالى.
وأنه كان للمأمون على كل واحد صاحب خبر (٢). ... فإننا نعرف السر في إرساله بعض جواريه إلى الإمام الرضا الا بعنوان : هدية .. وقد أرجعها الإمام الله إليه مع عدة أبيات من الشعر، عندما رآها اشمأزت من شيبه) (۳).
ولم يكتف بذلك، بل وضع على الإمام الله عيوناً آخرين، يخبرونه بكل حركة من حركاته، وكل تصرف من تصرفاته.
فقد كان هشام بن إبراهيم الراشدي من أخص الناس عند الرضا الا ، وكانت أمور الرضا تجري من عنده، وعلى يده، ولكنه لما حمل إلى مرو اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرئاستين، والمأمون، فحظي بذلك عندهما. وكان لا يخفي عليهما شيئاً من أخباره، فولاه المأمون حجابة الرضا. وكان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه لا يصل إليه. وكان لا يتكلم الرضا في داره بشيء إلا أورده هشام على المأمون، وذي الرئاستين .. ( وعن أبي الصلت: أن الرضا ( كان يناظر العلماء، فيغلبهم، فكان الناس يقولون : والله إنه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أهل الأخبار يرفعون ذلك إليه .. ) (٢) وأخيرا .. فإننا نلاحظ أن جعفر بن محمد بن الأشعث، يطلب من الإمام الله : أن يحرق كتبه إذا قرأها، مخافة أن تقع في يد غيره، ويقول الإمام اللا مطمئنا له : «إني إذا قرأت كتبه إلي أحرقتها . ) (۳) إلى غير ذلك من الدلائل والشواهد الكثيرة التي لا نرى أننا بحاجة إلى تتبعها واستقصائها.
الهدف الثالث:
أن يجعل الإمام الا قريباً منه، ليتمكن من عزله عن الحياة الاجتماعية، وإبعاده عن الناس، وإبعاد الناس عنه، حتى لا يؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية، وبما منحه الله إياه من العلم، والعقل والحكمة. ويريد أن يحد من ذلك النفوذ له الذي كان يتزايد باستمرار، سواء في خراسان، أو في غيرها. وأيضا .. أن لا يمارس الإمام أي نشاط لا يكون له هو دور رئيس فيه، وخصوصاً بالنسبة لرجال الدولة، إذ قد يتمكن الإمام اللا من قلوبهم، ومن ثم من تدبير شيء ضد النظام القائم. دون أن يشعر أحد والأهم من ذلك كله:
أنه كان يريد عزل الإمام الله عن شيعته ومواليه وقطع صلاتهم به، وليقطع بذلك آمالهم، ويشتت شملهم، ويمنع الإمام من أن يصدر إليهم من أوامره، ما قد يكون له أثر كبير على مستقبل المأمون، وخلافته.
وبذلك يكون أيضا قد مهد الطريق للقضاء على الإمام الله نهائياً، والتخلص منه بالطريقة المناسبة، وفي الوقت المناسب. وقد قال المأمون إنه: (يحتاج لأن يضع من الإمام قليلاً قليلا ، حتى يصوره أمام الرعية بصورة من لا
يستحق لهذا الأمر. ثم يدبر فيه بما يحسم عنه مواد بلائه. كما سيأتي. وقد قرأنا آنفا أنه : ( كان لا يصل إلى الرضا إلا من أحب . أي هشام بن إبراهيم . وضيق على الرضا، فكان من يقصده من مواليه، لا يصل إليه).
كما أن الرضا نفسه قد كتب في رسالته منه إلى أحمد بن محمد البيزنطي، يقول: ((وأما ما طلبت من الإذن علي، فإن الدخول إلي صعب، وهؤلاء قد ضيقوا علي في ذلك الآن، فلست تقدر الآن، وسيكون إن شاء الله.
كما أننا نرى أنه عندما وصل إلى القادسية، وهو في طريقه إلى مرو، يقول لأحمد بن محمد بن أبي نصر : (إكتر لي حجرة لها بابان باب إلى الخان، وباب إلى خارج، فإنه أستر عليك..)).
ولعل ذلك هو السبب في طلبه من الإمام اللا ، ومن رجاء بن أبي الضحاك : أن يمرا عن طريق البصرة، فالأهواز إلخ.. ما سيأتي : ولا نستبعد أيضاً أن يكون عزل الإمام عن الناس، هو أحد أسباب إرجاع الإمام الرضا عن صلاة العيد مرتين (۲). وللسبب نفسه أيضا فرق عنه تلامذته، عندما أخبر أنه يقوم بمهمة التدريس، وحتى لا يظهر علم الإمام، وفضله.. إلى آخر ما هنالك من صفحات تاريخ المأمون السوداء.