كتاب: الشيعة في لبنان من التهميش الى المشاركة الفاعلة
تأليف: مجموعة من الباحثين
الناشر: دار المعارف الحكمية
الطبعة: الاولى 2012م
عدد الصفحات: 443
الحجم: 6.0 MB
انتقال الشيعة في لبنان من موقع التهميش إلى موقع المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية ال لبنانية، وعبرها، في الحياة السياسية لمجمل المنطقة، طرح عددا من الأسئلة التي شكلت محاولات الإجابة عليها موضوع اهتمام عدد من الباحثين في مراكز الأبحاث الأكاديمية والاستراتيجية ولدى كافة المعنيين. مصير المنطقة من السياسيين المحليين والإقليميين والدوليين. وإذا كان من المفترض، مبدئيا، أن يكون الهدف المباشر لكل من الباحثين الأكادميين و الاستراتيجيين تكوين فهم موضوعي ومجرد لتلك الظاهرة، خدمة للحقيقة المجردة، مبدئيا، بالنسبة للأكاديميين، ولعدم خداع المعنيين بالتعاطي مع هذه الظاهرة من وزارات خارجية وإعلام وثقافة ودفاع في بلدان معنية، من موقعها الاستكباري والاستحواذي،. مصير المنطقة، بالنسبة للباحثين الاستراتيجيين. نقول: إذا كان ذلك كذلك، ودائما من حيث المبدا، فإن ما يخرج إلى العلن من هذه الأبحاث، ليس ما توصلت إليه من حقائق، بصرف النظر عن مدى توفيقها في تصوير الواقع كما هو، وإنما ما توصلت إليه دوائر طبخ السياسات والاستراتيجيات في البلدان المعنية من كيفيات للتعاطي عمليا مع هذه الظاهرة، باتجاه تشويهها موقنا و أهدافا و استراتيجيات وتكتيكات في نظر أصحابها، وفي نظر من لهم علاقة بها، مقدمة لمحاصرتها وعزلها و التأليب عليها في محيطها وعلى مستوى العالم، وكان من ثمرة جهود تلك الدوائر ما يعيشه العالمان العربي والإسلامي، راهنا، من انقسامات وصراعات يتقدم فيها الانقسام المذهبي و الطائفي اليغطي على الفحوى السياسي لتلك الظاهرة بما يشوهها ويحول بينها وبين تحقيق أهدافها في )۱( مدير دائرة الفكر السياسي في معهد المعارف الحكميّة. الوحدة والاستقلال والتقدم والعدالة لمجمل أبناء المنطقة، بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والمذهبية والثقافية، إلخ. مهما يكن من أمر، فإن هذا الاهتمام هو استكمال لاهتمام سابق ومستمر و مرتبط بقيادة الإسلام، بقراءته الشيعيّة، لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، وإنشائها نظاما أثبت قدرته على الاستجابة بفاعلية عالية لحاجات الاستقلال والسيادة والتقدم في مختلف المجالات، وفي ظروف هيمنة استكباريّة طاغية ومزودة بأنياب ذاتية ودولية وإقليمية، وأحيانا محلية يطول الكلام على وصفها. وإذا كان هذا الاهتمام السابق قد تحور حول قدرة الإسلام، بقراءته الشيعية، على الانتصار في الثورة، وعلى، وهذا هو الأهم، قيادة ناجحة لدولة سيدة ومستقلة في الظروف المشار إليها، فإن الاهتمام اللاحق قد تمحور حول قدرة هذا الإسلام على إنشاء مقاومة تحقق انتصارًا غير مسبوق وغير متوقع، وفي ظروف انقسام داخلي حاد ومستمر، على عدو ذي قوة ذاتية متفوقة أصلا، ومدعومة بكل قوى الاستكبار، ومؤازرة بتخاذل من يفترض أن يكونوا في موقع مناوأتها من القوى الإقليمية والمحلية. إذا كان الاهتمام قد تركز على الإسلام بقراءته الشيعية بوصفه المرجعية الأيديولوجية القيادة هذه الأحداث، فإنه لا ينفصل عن الاهتمام بكيفية التخطيط )قراءة الواقع وما يكتنفه من صعوبات وتعقيدات، وما يتيحه من فرص وإمكانات، وعلى ضوء ذلك، تحديد الأهداف والأولويات والوسائل والسياسات والتحالفات، وغير ذلك(. ومثل هذه المهمات، تتطلب استنطاقا حصيفا للمرجعية الأيديولوجية، وقدرة على المزاوجة بين النظر والممارسة، وقراءة الممكن والمستحيل على ضوء الواقع مقروءا منحی ثوري (غير استسلامي). وهذا ما يربط الظاهرة، ليس فقط مرجعيتها الأيديولوجيّة، وإنما أيضا، وبصورة أولى، بالقيادات البشرية وتحقيقها الشروط الانفة الذكر، بالإضافة إلى الحدس السياسي المتوقد المعـبر عنه بالإلهـام والتوفيق الإلهيّ، والذي هو ثمرة جهاد فيل له و والين جاهدوا فينا لهديتهم ,)۲( با 4(، حيث الجهاد يعني التفكر وتقليب الأمور، ووضع الاحتمالات والمفاضلة بينها، مصحوبا بالدعاء المخلص طلبا ل لتسديد والتوفيق وإمانا بأن من يهدي ال له فهو المهتدي. هذا الكتاب، الذي يتشرف معهد المعارف الحكمية بوضعه بين يدي القراء، هو على صلة وثيقة بالإجابة على الأسئلة التي يثيرها انتقال الشيعة في لبنان من موقع التهميش إلى ( ۲ ) سورة العنكبوت، الآية 19 . موقع المشاركة الفاعلة، من خلال أبحاث كتبها عدد منا المتخصصين الذين عاشوا تجربة التهميش مباشرة وعبر استرجاع وقائع التاريخ، كما عاشوا تجربة الانتقال إلى المشاركة الفاعلة من داخلها، وفي تطلعاتها ومخاوفها وتعرجاتها وصعوباتها وفرصها. وتمحورت أبحاث الكتاب في ثلاثة أبواب تتكامل في ما بينها وتتازر في تحقيق الهدف من الكتاب مثلا في: ۱. محاولة تأصيل وتصويب النظرة إلى تحولات الجغرافيا والتاريخ« التي أفضت إلى توزع الشيعة على المناطق اللبنانية بالصورة المعروفة راها، وذلك في سياق تحليل يسعى إلى فهم تلك التحولات على ضوء الظروف والعلاقات السياسية العامة وتقلباتها، وما تعلق منها بالعلاقات بين مكونات ما سيعرف لاحقا باسم دولة لبنان الكبير. وفي قراءة هذه التحولات سعي لإيضاح العلاقة بين ماضي الشيعة وحاضرهم. . محاولة تأصيل وتصويب النظرة إلى العلاقات بين الشيعة وكل من إيران والعراق، وذلك عبر عرض تحليل لوقائع هذا التفاعل وعوامله ونتائجه على كل من طرفي العلاقة، ودحض تهمتي التبعية و»النقص في لبنانيتهم )الشيعة(. . محاولة تأصيل وتصويب النظرة إلى الباعث الحقيقي الذي جعل الشيعة في لبنان موضع اهتمام سياسي أو بحثي أو إعلامي بعد الغياب الطويل لهذا الاهتمام، وما هـو دور الإمام الصدر في التأسيس لتلك التحوّلات، ودور حركة أمل وحزب ال له في متابعتهـ، ودور مجاورة الشيعة في جبل عامل للكيان الصهيوني، ولماذا تأصلت هوية الاجتماع الشيعي على الثابت الديني المذهبي والتعاطي من خلاله مع المتغير القومي والوطني المستجدّ على هوية المنطقة، وما هو دور عاشوراء في إحياء التغيير والمساهمة في تلك التحولات؟ ولماذا يسيطر هم وحدة الطائفة وحماية المقاومة على ممارسة كل من حزب الله وحركة أمل للانتخابات النيابية إن من حيث تحالفهم مع بعضهم وإن من حيث تحالفهم مع الآخرين؟ محاولات التأصيل والتصويب هذه، اقتضت توزيع الكتاب تبعا لها، إلى ثلاثة أبواب، كل منها يتناول جانا: الباب الأول حمل عنوان: التحولات الجغرافيا والتاريخ ، و الباب الثاني: »التفاعل مع العراق وإيران«. والباب الثالث: »قراءات في التجربة المعاصرة«. لابد من الإشارة إلى أن بعض التكرار الذي سيلاحظه القارئ يعود إلى أن أبحاث الكتاب تتمحور حول موضوع الشيعة، وكل بحث منها لا يستغني عن إيراد بعض الوقائع استكمالا للتحليل أو للعرض الذي يقوم به. وإذا كنا نصف نتائج الجهود المبذولة التي أفضت إلى وضع هذا الكتاب بأنها «محاولة»، فلاننا لا نريد تقييمها أو الترويج لها، بل نريد للقارىء المنصف أن يقوم بهذا التقييم وما قد يقتضيه من نقاش خدمة للحقيقة، وتصويا للنظرة إلى الشيعة عموما وفي لبنان خصوا لا في نظر الآخرين فحسب، وإنما في نظرتهم إلى أنفسهم أيضًا. ويبقى الأمل في أن يحقق هذا الكتاب المرجو منه في تأصيل وتصويب ومناقشة النظرة إلى الشيعة في لبنان، وإلى تجربتهم وتطلعاتهم، كماهي، لا كما يصورها المعادون أو يتوهمها بعض المحايدين. والله ولي التوفيق