كتاب : مطارحات في الفكر المادي والفكر الديني
المؤلف : الشيخ محمد مهدي شمس الدين
عدد الصفحات : 276
هَذِهِ مُطَارحات في الفكر الديني والفكر المَادِي كَتَبَتُ القِسْمِ الثَّانِي مِنْهَا وَنَشرتُ مُعظَمهُ مُنْذُ سِنِين فِي مُلحَق جَرِيدَةَ النَّهَارِ البَيْرُوتيَّة فِي حَلَقَاتِ أَسْبُوعِيَّة فِيمَا بَيْنَ (۲۲) شُبَاط سَنَة ۱۹۷۰ و ۱۷ أيار سنة ۱۹۷۰ م). وَكُنتُ أُقَدر أَنَّ الحَاجَةِ إِلَى هَذِهِ المُطَارِحَاتِ قَد أَنْتَهَتَ بِنَشْرِهَا وَإِذَا عَتِهَا فِي النَّاسِ عَن طَرِيق الصَّحَافَة الأسبوعية ، وَلِذَا فَلَا دَاعِي الإِعَادَة نشرهَا فِي كِتَابٍ . ولكن نَفَراً كَبِيرًا كَرِيماً مِن عُلماء الدين والمعنين بقضايا الفكر الإسلامي أو الفكر الديني بوجه عام، وَمِن الطلاب الجامعين يَرُونَ أَنَّ الحَاجَةِ إِلَى هَذِهِ المطارحات لم تنته بنشرها في الصَّحَافَة ، بل الحَاجَةِ إِلَيْهَا مُتجدّدة لأَنَّهَا مَلات فُرَاغَاً كَبِيراً في الحقل من حقول المواجهة الفكريَّة بَيْنَ الدِّينِ والمَادِيَّة ، ولأَنْهَا أَضَاءَت مَسَاحَاتِ كَبِيرَة وَهَامَة ، رُبَّما كان غموضها باعثاً عَلَى الحَيرَة والشَّك عِندَ المُؤْمِن ، وَحَافِزَاً عَلَى التَّجني وإطلاق الأحكامِ الخَاطِئَةِ عَلَى الدِّينِ عِنْدَ مَن في قلوبهم مرض . وَهُم يَرُون أَنَّ هَذِهِ الحَاجَة المتجددة تقتضي بنشر هَذِهِ المُطَارِحَاتِ فِي كِتَابِ يَسْهَل تَدَاوِلَهُ وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ . وَقَد رَغَبَ إِلَيَّ بَعْضٍ مَن ذَكَرتُ أَنْ أُوضَحَ - فِي هَذِهِ المُطَارِحَاتِ أَثَرَ المَادِيَّة في مأساة العالم الثالث من خلال مُعاناته الأليمة مِنَ الرَّأْسْمَالِيَّة ، وَالماركسية . وَقَد أَسْتَجِبتُ لهذه الرغبة الكريمة النبيلة فَكَتَبَتُ القِسْم الْأَوَّلِ مِن هَذِهِ المطارحات عِندَمَا قَرَرْتُ نَشْرِهَا فِي كِتَابٍ . إِنَّ القِسْم الأَوَّل يُكمل القسم الثاني . فَحِينَ يُعْرَضُ القِسْمِ الثَّانِي لِلمَادِيَّةِ عَلَى مستوى الفكر والفَلْسَفَة يُعرض القِسْم الأَوَّل عَلَى مُستوى السياسة والعلاقات الدولية ، وبَذَلِكَ يُقدم الوجه التجربي للمادية في السياسة . وَإِذْ كُنتُ أُعدٌ هَذَا الكِتَابِ للنشر كانت تدوي في أذني أَنباء العدوان الْإِسْرَائِيلي عَلَى وَطَنِي لبَنَانِ فِي أَقدس بقاعه ، وهي جُنُوبه - جبل عامل - أَرْضِ العلم والتقوى، والإنسانية العالية ونبل الأَخْلَاقِ، وَأَرَى بِعَيْنِي أَثَارِ العُدْوَانِ الوحشي في عشرات الألوف من النازحين من القرويين المدنين العزّل يتدفقون عَلَى بَيرُوتَ وَغَيرهَا فَأَعِيش مأساة العالم الثالث كله في لوحة حية ترسمها الصهيونية بِالحَدِيد وَالنَّارِ عَلَى لحمي وَدَمي ، أَعِيش المأساة ، لأ كشاهد عَلَيْهَا ، وَإِنَّما كضحية ووقود لَهَا ، وَأَرَى كَيْفَ أَنَّ مَادية عصرنا تُنفذ فصلاً مِن جَرِيمَتهَا ضِدّ الإنسانية على يد آلة شيطانية من الآتها الإجرامية المجرمة هي القوة الصهيونية التي تمثل ذراعاً مِن أَذْرُعَ المَادِيَّة التي تسوط بها العالم الثالث