مشروع الحداثة الإسلامية المصداقية والنتائج

أضيف بتاريخ 05/13/2024
مكتبة نرجس للكتب المصورة


كتاب: مشروع الحداثة الإسلامية المصداقية والنتائج، قراءة موضوعية ناقدة
المولف: الدكتور السيد عباس العلوي
عدد الصفحات: 564
 


مؤخرًا تبنّى البعض مشروعًا للتغيير والإصلاح من داخل المؤسسة الدينية أطلق عليه: «مشروع الحداثة الإسلامية»، وأن مصدر هذه الحداثة القرآن وسنة أهل البيت الله ومن المبرّرات لهذا المشروع، أن مواقف الكنيسة في القرون الوسطى لما كانت أكبر، أو من أكبر أسباب تفشي الإلحاد والنفور من الدين، كذلك فإنّ المؤسسة الدينية المتمثلة بمنظومة الحوزات العلميّة القائمة، من أكبر أسباب نفور الشباب الشيعي من الدين؛ فالشباب ينفر من الدين ليس بسبب الدين نفسه، ولكن بسبب جمود المنحوت من المنظومة الفكرية للمؤسسة الدينية وتدني مستوى رجالاتها العملي. وهنا تساق فكرة وجوب أن يكون التغيير من داخل المؤسسة الدينيّة، بتغيير منظومتها الفكرية إلى ما يلائم الحاضر، هذا ما ينوي القيام به هذا المشروع مهما كلّف ذلك؛ لأن التغيير من الخارج صعب، لا يكاد ينجح في العالم الإسلامي. ويرى أصحاب هذا المشروع أنّ مباني قراءة النّص الديني إذا لم تتغير بما يلائم الحاضر، لا يمكن للنّص الديني أن يبقى صالحًا لبناء الحياة، وسيظل عاجزا عن مواكبة التغيرات العصريّة، وسيفرز أحكامًا غير مقبولة وفاشلة، مما سيجعل المزيد من الشباب يخرج من دائرة الدين. ومن أبرز الأمثلة المبرّرة لهذا المشروع، في مقابل دعوى عجز المنظومة الفقهية القائمة ومبانيها عن مواكبة الزمان وظروفه وحاجاته، مسألة الزكاة؛ إذ إنها الرافد الأساسي للفقراء في المجتمع المسلم، ولكنّها مقتصرة على الأصناف التسعة، أي: النعم الثلاث: الإبل والبقر والغنم والغلات الأربع التمر والزبيب والشعير والقمح، والنقدين الدينار الشرعي «الذهب والدرهم الشرعي «الفضّة»، وكلاهما لا وجود لهما في هذا العصر. وهذه الأصناف التسعة توقيفية تعبدية، لا يجوز المساس بحرمتها وفق منظومة الحوزة الفقهية القائمة. لكن يطرح المشروع سؤالاً مهما: أنه لو افترضنا أن مجتمعًا من المجتمعات ليس فيه الغلات الأربع ولا النَّعَم الثلاث، كما هو الحال في بعض المجتمعات، فهل يظل الفقراء بلا رافد يَرفِدُهم؟ والاحتكار المحرّم يقتصر على بعض المواد الغذائية والأطعمة، فإن قلنا بأنّ مصاديق الاحتكار هذه المواد من ملح وتمر وقمح فقط، فلا يمكن تجاوزها إلى مواد أخرى مهمة وحيوية، كالدواء وفي إطار تبرير دعوى عدم توقيفيّة حتّى المصاديق الخاصة بالعبادات، تثار تساؤلات عديدة، منها: كيف نتعامل مَعَ من يعيش في منطقة ليس فيها ليل أصلا، أو منطقة لا يوجد فيها نهار، بينما مصاديق الصلاة في عصر النبي الهلهلهلهلهله هي هذه الصلوات الخمس في الأوقات الخمسة؟ وما هو مصداق صلاة الصبح والظهر والمغرب هناك؟ وكيف يصوم المسلم مع أنه لا يوجد خيط أبيض ولا خيط أسود لمعرفة ظهور وقت الفجر؟ والوقت هو موضوع وجوب الصلاة، فكيف تُوجَب صلاة الصبح أو المغرب ولا يوجد سوى النهار أو الليل فقط ؟ ولا يمكنك تغيير الأوقات، لأنها توقيفية، وإذا كان لا يوجد سوى الليل أو النهار فما هو موقع حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ؟ وكان في السابق، مصداق السفر يوم وليلة، والآن يتم قطع آلاف الكيلومترات في يوم واحد، فهل نبقى على مصداق السفر السابق؟ ثم يوضح أصحاب المشروع رؤيتهم فيما أُطلق عليها «وحدة المفهوم وتعدد المصداق» وأنها المنقذ للانسداد في الحوزة العلمية ومبانيها الفكرية السائدة اليوم من أصول الفقه وعلم الرجال والحديث، وتكمن هذه النظرية في اعتبار أن مفهوم «الزكاة» ثابت ولكن مصاديقه المتمثّلة هنا في الأصناف التسعة ليست تعبدية ثابتة، أي: ليست توقيفية، فيمكن تغييرها وإلغاؤها واستبدالها بمصاديق أخرى. وهذا المبدأ يسري على كل المفاهيم القرآنية أو التي ثبتت بالسُّنّة القطعية، من أحكام المعاملات، بل يمتد ذلك ليشمل حتى العبادات بما في ذلك الصلاة والصوم والحجّ، بل يشمل هذا المبدأ المنظومة الدينية كلها، فتشمل حتى العقائد، فمفهوم التوحيد ثابت، أما مصاديقه فمتغيرة ومتعددة أيضًا. وقد يتعدّد المصداق في العصر الواحد، فمصداق الصلاة قد يختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر، وأن النبي الله لو وجد في هذا العصر، فلا دليل على أنه لا يغير حتى عدد أوقات الصلوات، بل قد يبدّل منظومة الصلاة كلّها من عدد أوقاتها وكيفية أدائها. وأما في غياب المعصوم، فالأمر موكل إلى علماء عصر الغيبة لإيجاد مصاديق جديدة لكل مفهوم. وحتى المصاديق القرآنية متغيّرة، فكل المصاديق تاريخية، أي: كانت صالحة لعصر معين وليست صالحة لكل عصر وزمان، فمثلا : مفهوم الإرث ثابت في القرآن ولكن مصاديق الإرث المتمثلة في أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين وغيرها، كلّها مصاديق متغيرة وليست توقيفية تعبدية. وكذلك الثابت وجود قانون للعقوبات، ولكن مصاديق العقوبات، كالقصاص وحد الحرابة المتمثل في قطع الأرجل والأيدي وقطع يد السارق وجلد الزاني غير المحصن ورجم المحصن، كلّها مصاديق غير توقيفيّة، بل تاريخيّة صالحة لبعض الأزمنة والأمكنة دون البعض الآخر، فلكل عصر عقوبات، فأهل هذا العصر غير ملزمين بإجراء نفس العقوبات التي قام بها النبي ال الله ، فيمكن أن نستبدلها وفقًا لتغير العصر. بل أكثر من هذا، إنّ بعض مفاهيم القرآن تاريخية لم تعد صالحة لهذا العصر. فالتاريخية لا تقتصر على التصديقات والتطبيقات الأحكام الشرعية» بل تشمل بعض المفاهيم، ومنها ادعاء أن الإسلام قد شرف المرأة على الرجل، ولكن لو أن النبي الله صارح قومه بذلك، لما دخلوا في الإسلام وما قبلوا منه؛ إذ إنّ واقعهم الثقافي والفكري يرفض ذلك البتة. وكذا القتال فيما ذكر القرآن كثيرًا؛ فالقرآن الكريم لو صارحهم بحرمة القتال لما قبلوا منه، ولهذا أعاد توجيه هذه العادة عندهم لتكون ضدّ الأعداء. وكذلك فيما يتعلق بالقصص القرآني، فهو لا يعكس وقائع الأحداث التاريخيّة، بل جاء مسايرا لما في الكتاب المقدس من أجل كسب مشركي مكة. ومن ذلك أيضًا تبشير المؤمنين بحور عين، فهو دليل على تاريخية بعض الآيات القرآنية، وأنها صالحة لعرب ذلك الزمان دون سواهم من أهل العصور….

Mashroohadathaislamia