التوحيد

أضيف بتاريخ 05/12/2024
Admin 2


كتاب: التوحيد
المؤلف: الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي ابن بابويه القمي
عدد الصفحات: 545

 


أما بعد، فهذا السفر الكريم من أحسن ما ألف في المعارف العالية الإلهية. يتراءى لمن طالعه أصول علمية مبنية على أساس وثيق، من البراهين المأثورة العقلية المؤيدة بالآيات، والأخبار الإرشادية المروية عن الأئمة الأطهار عليهم صلوات الله الملك الجبار، فيه أبحاث ضافية ترشد إلى مهيع الحق، وحجج بالغة تدل على منهج الصواب في الأصول الاعتقادية ومعرفة الله سبحانه ببيان متين. وقول سديد، وطريق لاحب، ومسلك جدد، ومن سلك الجدد أمن العثار، ومن مال عنه إلى غيره تحير في واد السدر، وبنى أمره على شفا جرف هار، أو تطلب في الماء جذوة نار. ومصنفه أبو جعفر الصدوق - رضوان الله عليه - محدث فقيه، عالم رباني بتمام معنى الكلمة، والذي يستفاد من آرائه ومعتقداته المبثوثة في تضاعيف كتبه. ويظهر من رحلاته إلى الأرجاء، وتحمله المشاق فيها لأخذ العلم وترويج المذهب، ومناظراته مع المخالفين، ومرجعيته العامة أنه رجل زكي الوجدان. ويظهر من رحلاته إلى الأرجاء، وتحمله المشاق فيها لأخذ العلم وترويج المذهب، ومناظراته مع المخالفين، ومرجعيته العامة أنه رجل زكي الوجدان ثابت الجنان، قوي الإرادة، عالي الهمة، نقي الدمة، ذكي الفؤاد، رفيع العماد. واضح الأخلاق، طاهر الأعراق، متكلم كثير الحفظ، صریح اللسان فصیحه، سدید الرأي حصيفه، عصامي النفس مع كونه معروف النسب سني الحسب: عارف بالدين أصولاً وفروعاً، عالم بما تحتاج إليه الأمة، ساع إلى نشر العلم في ربوعها، غير متقاعس عما يفيدها ويعلي شأنها. وقد مثل الحق في هذا الكتاب عياناً، وبين غوامض العلم بياناً، فسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً. واني لما رأيت - بعد انتشار الطبعة الأولى - إقبال الفضلاء لاقتناء نسخه وإعجابهم بتصحيحه وتحقيقه وتعاليقه العلمية التي عني بها الشريف الحجة السيد هاشم الحسيني الطهراني - مد ظله العالي - أحد أماجد المحققين في عصرنا هذا؛ حداني ذلك إلى نشره مرة ثانية مشكولاً بإعجام كامل دقيق، حرصاً على تنقيب الكتاب وتخليده، وتسهيلاً للقراء الناشئين الكرام، ووفاء لحق التأليف والمؤلف. وان كان كثير من أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب، ولا يسوغونه إلا في الملتبس أو الذي يخشى أن يلتبس، وقالوا: «إنَّما يُشكل ما يُشكل». لكني رأيت الصواب في إعجامه لأن الإعجام يمنع الاستعجام، والشكل يمنع الإشكال لاسيما في أسماء الناس لأنها شيء لا يدخله القياس، ففعلت ذلك ويليت يحمل أعبائه حينما كان الليل دامساً، وبحر الظلام طامساً، قد ضربت الفتنة سرادقها، وقامت على سنابكها، وخيل المصائب نازلة، وكوارث النوائب متواصلة، دهم الكفر ساحتنا، ورام استباحتنا، فكم من دماء لأبنائنا سفكت، وأحاريم هتكت، يسمع من كل ناحية عويل وزفرة، ويرى في كل جانب غليل وعبرة، الأتراب منهم درجوا، وشبان في دمائهم ولجوا، وجرحى لا يرجى لهم الالتيام. وإنما الشكوى ترفع إلى رب الأنام، أليس الله بعزيز ذي انتقام؟ والحديث ذو شجون، ولعل القائل

altawhid